للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوسائل قد احتلت في حياتنا -بل حياة كل الشعوب- مكانا لا يدانيه مكان الكتاب. والأمر في بلادنا أوضح؛ إذ نرى الإقبال على المشاهدة والاستماع أكبر من الإقبال على القراءة، وذلك بحكم قانون أقل الجهود الذي يسيطر على حياة الكسالى من أمثالنا أشد سيطرة. والقراءة على قلتها لا تكاد تمتد إلى الكتب القوية، بل تقتصر على الجرائد والمجلات التافهة، وهذه حالة محزنة يجب التماس علاج لها، وأنا لا أشك في أن للمسألة الاقتصادية وفقر الناس دخلًا في هذه الظاهرة، ولكني أعتقد أن هناك ما يمكن عمله من الناحية الثقافية أيضا، وذلك بكسب النقد لثقة الجمهور ثم دعوته إلى القراءة، ففيها ما يرفع القلوب ويهذب الإحساسات وينير العقول ويربي الخلق، بل فيها ما يجدد الحياة ويذهب بمللها.

وأمر السينما والمسرح والراديو والكثير من المجلات متروك بين أيد أخشى ألا تستطيع أداء رسالتها، بل إنها قد لا تعرف أن لها رسالة، وهذا إجرام في حق الشعب وحق الوطن؛ ولهذا يجب أن يُعْنَى بها النقاد، فهي وإن تكن أشياء فانية عابرة محدودة الأثر في تثقيف الشعوب ثقافة حقيقية، إلا أنها واسعة الانتشار شديدة الضرر، وليس من شك في أنه من الواجب أن نساهم في تجميل حياة مواطنينا وحمايتها والدفاع عنها إلى جانب ما نستطيع أن نكتب لأنفسنا أو للخواص من الناس.

وبعد فقد حقق الجيل السابق ما استطاع تحقيقه، وها نحن بدورنا نسعى إلى أن نخطو الخطوة الأخيرة ليدخل الأدب المصري المعاصر والتفكير المصري المعاصر في التيار الإنساني العام.

وسبيل ذلك هو بلا ريب الإخلاص لأنفسنا، فلكل نفس فيما أعتقد أصالتها، ولعل في النقد ما يساعد تلك النفوس على إدراك ما تمتاز به من عناصر تنميها فتُؤتي ثمارها.

وأكبر نقص في أدبنا -على ما أعتقد- وهو بعده عن الألفة Intimacy فهو قلما يهمس. وهل لذلك من سبب غير ضعف الإخلاص فيه وغلبة المهارة عليه، سواء في الصياغة أم في التفكير.

كثير من كتابنا في حاجة إلى التواضع بل إلى السذاجة؛ ليأتي أدبهم مهموسا على نحو ما أتت معظم الآداب الخالدة.

هذا، وكثير من كتابنا على الدولة أن تنجو بهم من ضرورات الحياة؛ لكي يحسوا لأنفسهم ويفكروا لأنفسهم في هدوء واستجمام، وعندئذ سنجد أنفسنا فيما يكتبون.

<<  <   >  >>