للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبها يرى سبل المنون ... فيسير سير الظافرين

ولقد يكون في مطاعنة الشجون واستحالة الجراح عيونا يسير بها الشاعر في سبل المنون سير الظافرين -الذي يعتبرون الموت غنيمة- من القوة ما يكاد يمس المبالغة البعيدة أو تكلف الأداء، ولكننا مع ذلك لا ننفر من الصورة.

حتى إذا اقترب المراد ... تطلى رؤاه بالسواد

فيعود أعمى لا يقاد ... إلا بعكاز الحنين

وهو رغم إحساسه بالظفر لا يلبث عندما يصل إلى نهاية الشوط أن يضطرب بصره فتطلى رؤاه بالسواد، وقد عاوده ضعف البشر فإذا به يقاد بعكاز الحنين. وهذه حقائق نفسية صادقة رغم ما حولها من ضباب الشعر، وفي طرق أدائها بساطة جميلة وبخاصة في "عكاز الحنين" يتكئ عليه متحسسا سبيله، ونحن إذا جمعنا بين هذه المقطوعة وسابقتها استطعنا أن نفهم إسرافه في الأولى؛ إذ ندرك ما يرمي من إظهار المكابرة التي تموه ما فينا من ضعف.

يتلمس النور البعيد ... بأنامل الفكر الشريد

ويسيل من فمه النشيد ... سيل الدماء من الطعين

في البيت الأول صورة دالة، صورة الشاعر وهو يتلمس النور البعيد بأنامل الفكر الشريد، تجسيم جميل يرتكز في "الأنامل التي تتلمس". وفي البيت الثاني يتحدث الشاعر عن نشيده، ولكنه غير حديث شعرائنا عن قصائدهم الخطابية القيمة، فالنشيد يسيل من فمه، كما تسيل الدماء من الطعين، يسيل لأن الشاعر يتألم، لا لأنه يريد أن يخلع الخلود على عباد الله، أو لأن الآلهة قد اختصته بملكة الشعر.

أرايت بيت العكبوت ... وذبابة فيه تموت

رقصت على نغم السكوت ... ألما فلم يغن الطنين

فكذاك في شرك الرجاء ... قلبي يلذ له الغناء

وما ذاك شدوا بل رثاء ... يبكي به الأمل الدفين

وبذا يحدثنا عما نحسه في نشيده: صوت الألم، ورثاء يبكي به الأمل الدفين. وأخيرا نعود إلى الفكرة فإذا بالروح تصعد.

يا نفس إن حم القضاء ... ورجعت أنت إلى السماء

وعلى قميصك من دما ... قلبي فماذا تصنعين؟

ضحيت قلبي للوصول ... وهرعت تبغين المثول

<<  <   >  >>