للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا دعيت إلى الدخول ... فبأي عين تنظرين؟

وتعود الصور -وقد بعدنا عن حياتنا الأرضية- فترفع من استواء الفكرة -كما قلنا- "فالدم على قميص النفس"، و"العين التي ستنظر بها إذا دعيت إلى الدخول أمام الله"، كل هذه صورة قريبة تزيد من روحانية هذه الخاتمة الجميلة، وتقوي من إحساسنا بذلك الصراع العنيف الذي يدور بنفس الشاعر وقد ألقت به الحياة إلى الجهاد المستمر.

والآن قد يتساءل القارئ: لِمَ استطاع شعراء المهجر ما لم يستطعه غيرهم؟ جوابي هو: لأنهم قد يكونون من بلاد تحرك مناظرها الجبلية من الخيال ما لا تحركه السهول، ومن جنس١ يشهد له التاريخ بالنزوع إلى المغامرة والتوثب، ثم إن غربتهم بأمريكا وكفاحهم ومن أجل الحياة قد أرهف حسهم وقوَّى من نفوسهم.

وأخيرًا -وهذا هو السبب المهم- لأنهم قوم مثقفون، قد أمعنوا النظر في الثقافات الغربية التي لا غنى لنا اليوم عنها، وعرفوا كيف يستفيدون منها بعد أن هضموها في لغاتها الأصلية، فهم إذن ليسوا كأولئك الذين يسرفون في في الغرور عن جهل وكسل، ظانين أن الأدب في متناول كل إنسان، وأن كلام منظوم شعر. الثقافة هي التي تشع في ألفاظ هؤلاء الشعراء، وإنك لتقرأ الجملة لهم فتحس أن خلفها ثروة من التفكير والإحساس.


١ يعني الفينيقيين.

<<  <   >  >>