للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من وسائل الفن القوية، ولكنه لا يمكن أن يكون مجرد عبث أو مهارة، بل من الواجب أن تمليه الأشياء إملاء يقربه الفن وقد مسه بجناحه، فإذا به كالحقائق، والفن إلى حد بعيد إيهام بالخلق، خلق واقع شعري، فهل نجح الشاعر في ذلك؟

إنني أنظر فأرى "قلب النسيم ولهان ينفطر للأضواء" و"السنا قد مال جاثيا" و"نخلة قد أطرقت بتلعة" وظل النخلة كأنه "مضطهد" ثم أرى "الدوح نشوانا" ومع ذلك يدعونا الشاعر إلى أن نخشع إن مررنا بالدوح النشوان: ما هذا التنافر؟ "لماذا ينفطر قلب النسيم ولهًا بالأضواء" أهذا تجسيم لإحساس الشاعر؟ أهو تصوير لرقة النسيم تصويرا مجتلبا؟ ولماذا "يجثو السنا" وهو "يحنو" على الشاعر "وينساب" إليه من السماء؟ ثم إن الجو كله جو أحلام هادئة.. فيها لا ريب حزن خفيف melancholie ومع ذلك فجأة نرى الدوح نشوانا. وكل هذا تخبط في الرؤية الشعرية أو انعدام لها، ومن عجب أن تجد وسط هذا التنافر البيت الرائع بتصويره:

إن هب نسم بها خيلت ذوائبها ... أنا ملا مرعشات هزها الكبر

وأن يجاور هذا التصوير الجميل تشبيهه لظل النخلة "بمضطهد" وأغصان الدوح بأشباح قافلة، غاب عنها الرفيقان "الركب والسفر" وقد نزل على الدوح ضيفان "الليل والقدر" ليتم الازدواج الكاذب: الليل والقدر والركب والسفر. أما الليل فنستطيع أن نفهمه، ولكن ما شأن القدر هنا؟ وما الرأي في "غياب السفر" كناية عن ثبات الدوح وعدم تحركه؟ قد يكون في غياب الركب ما يشعر بالوحشة؛ ولكنني في الحق لا أدرك العبارة عن السكون بغياب السفر. والأغصان "مبهورة ذاهلة" ولكنها مع ذلك قد تكون "منتعشة بشجو الرياح" وما أريد أن أدركه هو وضع تلك الأغصان، كيف كانت أو كيف رآها الشاعر "ذاهلة أم منتعشة"؟ إنني لا أطيق ما يلقيه الشاعر في نفسي من عجز عن إدراك ما رأى.

ثم إن القمر "هيمان يحمل وجد الليل أضلعه" وقديما قاتل النقاد أبا تمام لقوله "ماء الملام" وثار به الآمدي إذ وصف حمرة الخدين بـ"ملطومة الخدين بالورد" فماذا يقول المسكين الآمدي لو سمع محمود إسماعيل يتحدث عن "أضلع القمر"؟!

وأنا لا أريد أن أطيل، فقد أبنت بالأمثلة السابقة عما أريد من "الرؤية الشعرية".

وأما "طرطشة" العاطفة فليست واضحة في هذه القصيدة الوصفية وضوحها في قصائده العاطفية وهي كثيرة بديوانه "هكذا أغنى"، ومع ذلك

<<  <   >  >>