للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نجد في هذه القصيدة أيضا كثيرا من "التأوه" و"والآهات" و"الكبد" و"كبدي" و"ياكبدا" وما إليها.

انظر مثلا إلى قوله يخاطب القمر:

قلب كقلبك مجروح، وقوله لنفس المخاطب: "إن العذاب الذي أضناك في كبدي"، ثم حدثني عما تستطيع أن ترى من جروح في قلب القمر الهادئ البارد الحالم الحزين حزنا رقيقا لا يعرف الدماء، ثم ما هذا الضنى الآخذ بكيد الشاعر؟ وكيف يوحي به القمر؟ أليس هذا إسرافا معيبا ووضعا لإحساس في غير موضع؟

"الله أكبر يابن النيل يا كبدا" أوما نحس بنفرة نفسية من "يا كبدا" هذه؟ كيف تخاطب القمر "يا كبدا"؟

وبعد فأنا لا أدري كيف يجوز لنا أن نضع هذا الفن الذي نردده اليوم في مستوى فن شعراء المهجر المرهف القوي المباشر؟ كيف نقارن هذا الضجيج بمهمسهم الفني؟ وأما عن النثر فما أظن القراء في حاجة إلى أن أدلهم على أن رثاء أحد الشبان لأمه الذي أورده الأستاذ قطب لا يمكن بحال من الأحوال أن يقارن "بأمي" لأمين مشرق. فرثاء الشاب المذكور لا إيقاع فيه ولا نبل في الإحساس ولا توفيق في اختيار التفاصيل، وكيف تريد من شاب يؤلمه من موت أمه أنهم لم يعودوا يعرفون "بأسرة" أن يصل في فن الكتابة إلى مشرق الذي يذكر "فستانها العتيق" و"يديها اللطيفتين" ووقع قدميها حول سريره، وغابة السنديان، وما إلى ذلك من فتات الحياة التي يعرف كبار الشعراء -كما قلت- كيف يلتقطونها بأنامل ورعة، فيصلون من التأثير في نفوسنا إلى ما لا تصل إليه "الأبواق والطبول".

<<  <   >  >>