ومحاولته دفع الحد عنها أمر حث عليه الأحاديث الشريفة، فماذ يغضب ابن حزم إذا من محاولة المسلم أن ينفي الحد عن نفسه، أو أن يدرء كل حد يأتيه، فلا يقام الحد عليه، كما أن درء الحدود بالشبهات لا يقصد به إبطال الحدود، وإلغاؤها وإضاعة حقوق الناس، وإشاعة الفوضى.
وإنما المراد به التثبت من وجوب الحدود، وإكمال مقتضاها بصورة تصل إلى اليقين، فإذا لم يكتمل ما يوجب الحد، اكتمال يصل حد اليقين، فكيف يمكن إقامة هذا الحد الذي أحاطت به الشبهات، وخالطه الشك.
إن عدم إقامة الحد لا يجوز أن يوصف بأنه تضييع للحدود أو تعطيل لها، وإنما هو التثبت من وجوبها بالصورة التي حددها الإسلام، وعرفها عنه أتباعه ومن يطبقون أحكامه، والتزم بها كل من يشهد على جناية من الجنايات إذ لا بد أن يكون الأمر الذي يشهد بها واضحًا له وضوح الشمس، وإلا فليدع الشهادة به، وليس عليه من إثم، بهذا يحتقق العدل ولا تضيع حدود الله، على أن الشبهة الدارئة للحد لم يقل أحد أنها دائمًا تسقط العقوبة كلية، فإن كثيرًا ما ينقل العقاب من الحد إلى التعزير، أما الطعن الثالث الذي يقول فيها ابن حزم: إن لفظ الشبهات الذي جاء في: "ادرءوا الحدود بالشبهات"، لا سبيل إلى استعماله؛ لأنه ليس فيه بيان لتلك الشبهات.
فما ذلك القول من ابن حزم إصرارا منه، وتأكيدًا لتمسكه بظاهر النصوص، كما هو مبدأ الظاهرية جميعهم.
أما محاولة تفسير المسائل، وشرح المبهم وبيانه بما يتفق، ويتحقق غرض الشريعة. فذلك أمر يبتعدون عنه في ظاهر مذهبهم، وإن كانوا قد استخدموه، وعملوا به كما هو واضح مما جاء في كتبهم، وعلى الأخص كتاب المحلى لابن حزم نفسه.