للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له -وكان إيضًا ذكر المكان في كل ذلك لا معنى له، فكان اختلافهم في كل ذلك كاتفاقهم، كسكوتهم، ولا فرق؛ لأن الشهادة في كل ذلك تامة دون ذكر شيء من ذلك.

وحسب الشهود أن يقولوا: إنه زنى بامرأة أجنبية نعرفها أولج ذكره في قبلها رأينا ذلك فقط، ما أبالي قالوا: إنها سوداء أو بيضاء أو زرقاء، أو كحلاء مكرهة، أو طائعة، أمس، أو اليوم، أو منذ سنة، بمصر أو ببغداد.

وكذا لو اختلفوا في لون ثوبه حينئذ، أو لون عمامته، ويستدل لذلك ابن حزم، فيقول: "لم يقل الله تعالى قط، ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم: لا تقبلوا الشهادة حتى يشهدوا على زنى واحد، في وقت واحد، في مكان واحد، وعلى سرقة واحدة بشيء واحد في وقت واحد، في مكان واحد، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} "١٩: ٦٤"، وتالله لو أراد الله تعالى ذلك لما أهمله، ولا أغفله حتى بينه فلان وفلان، وحاش لله من هذا"١.

وقبل مناقشة ابن حزم، فيما ذهب إليه أحب أن أذكر هنا بأن ابن حزم قال بأن الحدود لا تدرأ بالشبهات، هذا مذهبه وقد سبقت مناقشته.

وأول ما يناقش فيه ابن حزم هو كونه لا يشترط في الشهادة أن تكون مبينة لحالة المزني بها، أهي طائعة أم مكرهة، وهذا ولا شك أمر ضروري الاستعلام عنه؛ لأنه وإن لم يؤثر بالنسبة للفاعل المختار، إلا أنه يترتب عليه بالغ الأثر بالنسبة له، وللمزني بها إن كان منهما


١ المحلى ج١٣ ص٣٧٧-٣٧٩.

<<  <   >  >>