للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكرهًا: وكذا إن كانت هي وحدها المكرهة؛ لأن المكره قد رفع عنه القلم فيما عدا القتل١.

فما دامت أكرهت، فلا عقوبة عليها، فكيف تستوي الشهادة عليها إذا ذكر فيها كونها مكرهة، أو لم يذكر؟. إن إثبات إكراها أو طواعيتها إثبات لأمر جوهري يترتب عليه الإدانة، أو البراءة بالنسبة لها، ولا يخفى ما قد يكون في الإدانة من رجمها وإلحاق العار بأهلها، أما براءتها مما نسب إليها، فإنها مانعة من ذلك كله، فكيف يتسنى إذا أن يعد ابن حزم ذلك من الأمور التي لا يلتزم بيانها في الشهادة؟

أما تعلق ابن حزم بأن الله سبحانه وتعالى لم يقل ذلك قط، ولا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فهو تعلق واه، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قد راجع ما جاء شاهدًا على نفسه، واستوضحه واستبان منه ما قد يكون خافيًا على الشاهد نفسه، وسأله عن أشياء، وأشياء حتى وصل به الأمر -صلى الله عليه وسلم- إلى النطق بكلمة لم يكن ليحب أن ينطق بها.

ما فائدة هذا كله من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، إذ أن لم يترتب عليه درء العقوبة، أو تغايرها وهما من الأمور المقصودة من مراجعة الشهود، واستبانتهم، واستيضاحهم.

وما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- لينطق بذلك كله عبثًا، أو مضيعة للوقت حاش لله.

وابن حزم لم يأبه بقول بعض الشهود -إنهم رأوا الجاني يزني بامرأة أجنبية- في بلد كذا، أو قول الباقي منهم -المكمل للعدد المطلوب في الشهادة- لا بل رأيناه يزني بها في بلد آخر.


١ القرطبي ج٥ ص٣٨٠١.

<<  <   >  >>