للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن قدامة مبينًا رأي جمهور فقهاء الحنابلة: "وأن شهدوا بزنا قديم، أو أقر به وجب الحد".

واستدل لذلك بعموم الآيات، وأنه حق يقبت على الفور، فيثبت بالبينة بعد تطاول الزمان كسائر الحقوق، وبأن التأخير يجوز أن يكون لعذر، أو غيبة والحد لا يسقط بمطلق الاحتمال، فإنه لو سقط بكل احتمال لم يجب الحد أصلًا١.

من هذا يبين أن جمهور الفقهاء لم يوافقوا على ما اشترطه فقهاء الأحناف.

ورأي فقهاء الجمهور أن الحدود تثبت بالشهادة، وإن تقادمت هذه الحدود.

واستدل فقهاء الجمهور لذلك بأدلة منها: أن الفقهاء عدا ابن أبي ليلى يرون قبل الإقرار بالجنايات الحدية القديمة، والحكم بمقتضاه بعقوبة هذه الجنايات، والإقرار والشهادة كلاهما وسيلة إثبات في الحدود، فلم يقبل الإقرار فيما تقادم من حدود وترد الشهادة، علمًا بأنه اشترط في الشهود العدالة، فما دام لم تحقق هذا الشرط قبلت الشهادة واعتد بها، وإن انتفت عدالة الشهود، فهذا أمر آخر غير التأخير.

كما أنه لا يخفى أن فقهاء الأحناف يرون قبول الشهادة بما وقع على حقوق العباد من جنايات حدية قديمة، فلم إذا ردوها في ما وقع الاعتداء فيه على حق الله؟.

إن كون حق الله سبحانه وتعالى مبني على المسامحة، لا تنهض به حجة لهم على رد الشهادة، فيما تقادم منه.


١ المغني ج٨ ص٢٠٧.

<<  <   >  >>