للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في كل هذه الصور هو السبب في حدوث الموت، ولم يفصل بين السبب والنتيجة -وهي الموت- سبب آخر يصح إضافة الحكم إليه، ولأن الله تعالى قد أجرى الموت عند حدوث ذلك، فإذا تعمده الإنسان فقد تعمد القتل، وقد سبق أن نقلنا النصوص الفقهية الدالة على ذلك١، ومنها ما قاله المالكية آنفا٢ وما قاله الحنابلة أنه إن "حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما أو منعه الدفء في الشتاء ولياليه الباردة حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا في مدة يموت في مثلها غالبا، بشرط أن يتعذر الطلب، فعمد؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بالموت عند ذلك، فإذا تعمده الإنسان فقد تعمد القتل".

وما قاله الزيدية أنه "يجب القود على من فعل سبب القتل ولم يوجد من يتعلق به إلا المسبب، وهو المعري لغيره مما يقيه الحر أو البرد من الثياب ونحوها، والحابس له، ولم يمكنه التخلص حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا أو حرا فإنه يقاد به؛ لأنه قاتل عمدا عدوانا، وإن لم يكن القتل بفعله ومثله من سرق طعام غيره أو ماءه أو دابته في مفازة وليس معه سواه، حتى مات قتل به؛ لأنه قتل عمدا، وكذا لو تركت المرضعة الصبي حتى مات، فتقاد به إن لم تكن من أصوله"٣.

وما قاله الظاهرية من أن من استسقى قوما فلم يسقوه حتى مات، أنهم إن كانوا يعملون أنه لا ماء البتة إلا عندهم، ولا يمكنه إدراك الماء أصلا حتى يموت، فهم قتلوه عمدا، وعليهم القود.. ولا يدخل في ذلك من لم يعلم بأمره ولا من لم يمكنه أن يسقيه، فإن كانوا يعلمون ذلك، ويقدرون أنه سيدرك الماء فهم قتلة خطأ، وعليهم الكفارة، وعلى عواقلهم الدية ولا بد، برهان ذلك قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ، وقال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا


١ راجع ص٥٨، ٧٩.
٢ راجع ص١٠٧.
٣ راجع ص٧٠.

<<  <   >  >>