للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد استدل الفقهاء بهذه الآية على أن هذه العقوبة جزاء لكل من يقتل إنسانا معصوم الدم، سواء كان المقتول مسلما أو ذميا، أو كان القاتل مؤمنا أو غير مؤمن، ولقد أثار الفقهاء بعض الاعتراضات على الاستدلال بهذه الآية على المدعى، نوضحها والرد عليها فيما يلي:

أ- قد اعترض بأن هذا الدليل خاص بقتل المؤمن، والمدعى عام وهو أن كل قاتل تكون هذه العقوبة جزاء له مسلما كان أم ذميا؛ لأن موجب القتل العمد "المأثم والقصاص" وهو يعم المسلم والذمي لما سيجيء من أن المسلم يقاد بالذمي عند الحنفية، ولا شك أن وجوب القود لا ينفك عن لزوم الإثم، والآية المذكورة مخصوصة بقتل المؤمن.

وقد أجيب عن هذا الاعتراض بأن الآية وإن أفادت المأثم في قتل المؤمن عمدا بعبارتها، إلا أنها تفيد المأثم في قتل الذمي عمدا أيضا بدلالتها، بناء على ثبوت المساواة في العصمة بين المسلم والذمي؛ نظرا إلى التكليف -حيث إنه مخاطب، بدليل دعوته إلى الإيمان- أو إلى إقامته في دار الإسلام بمقتضى عقد الذمة، ويؤيد هذا الأحاديث الشريفة، ومنها ما روي عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما" رواه البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجه، وما روي عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد أخفر ذمة الله، ولا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا" رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.

ب- الآية تدل على أن القاتل مطلقا -مؤمنا كان أم غير مؤمن- مخلد في النار، مع أن المذهب عند أهل السنة والجماعة أن المؤمن لا يخلد في النار وإن ارتكب كبيرة ولم يتب.

<<  <   >  >>