للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عفو ولا صلح ولا تورث -إلى آخر ما ذكرنا آنفا- وعكس ذلك القصاص؛ لأن حق العبد فيه غالب، كما يجرى هذا التغاير حتى في إثبات الجريمة، أو في تأثير التوبة فيها.

ولقد أدرك بعض الفقهاء هذا اللبس؛ فبعضهم أدرج تحت "الجرائم" كل أنواع المحظورات المعاقب عليها، ثم قسمها، وخص ما كان على النفس "بالقود في الجنايات" كالماوردي وأبي يعلى١ أو "الجراح" كالشافعية والحنابلة والإباضية في مقابل "الحدود" و"التعزيرات"٢.

إلا أنك تدرك أن إطلاق الجراح أو الدماء عليها هو فضلا عن كونه لا يشمل ما كان من الجنايات بغير جرح وبغير إسالة دماء، كالقتل بالكهرباء أو السم أو الخنق أو المثقل، فهو أيضا لا يتلاءم مع ما يقابله من الجنايات وهو الحدود، لأن الحد هو العقوبة، والتعزير هو العقوبة، وأما الجرح أو الجناية فهو ذات الفعل غير المشروع.

فإما أن يتفق المنهج في الكل من ناحية التسمية بنوع الفعل المحظور الذي ارتكب، أو من ناحية نوع العقوبة، حدا أو قصاصًا أو تعزيرًا، مع أن بعض الفقهاء قد صرح بأن القصاص حد من الحدود.

والذي أرجحه في هذا المقام هو أن يظل الاصطلاح الشرعي للجناية على عمومه، فيندرج تحته كل أنواع الجنايات، سواء أوجبت قصاصا أو مالا أو كفارة، أو أوجبت حدا أو تعزيرا، ويمكن أن يبوب لكل جناية بما وقع الاعتداء عليه، فإن كانت على آدمي قلنا: "الجناية على الآدمي"، وإن كانت على العرض قلنا: "الجناية على العرض"، وإن كانت على المال قلنا: "الجناية على المال"، وهكذا حتى ما كان منها في دائرة العبادات مثل جناية المحرم قلنا: "الجناية على الإحرام"، وهذه التسمية هي التي أسلكها بمشيئة الله تعالى في هذا المؤلَّف.


١ الأحكام السلطانية للماوردي ص٢١٩، والأحكام السلطانية لأبي علي ص٢٧٢.
٢ يراجع: المغني لابن قدامة ج١٠ ص٣٠٨، ومغني المحتاج على متن المنهاج ج٤ ص١.

<<  <   >  >>