للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثانيًا: عدالة العقوبة في التشريع الإسلامي:

لقد برزت العدالة في أجلى صورها في تقرير العقوبة، وفي تطبيقها، أما العدالة في تقرير العقوبة:

فإنك تلحظها في القصاص؛ إذ إنه يقضي بأن يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، وذلك قمة العدالة، ومثل ذلك في إتلاف الأموال {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} .

وفي حد الزنا عدالة، فإن الزنا إهدار النطفة وهدم لبنيان الأسرة، وإخلال بالأنساب، وتقويض للروابط الاجتماعية والحقوقية، وكل ذلك هدم لنظام المجتمع الاجتماعي والتشريعي، فكان الزنا قتلا معنى، فناسب ذلك أن تكون عقوبته للمحصن الرجم؛ لأنه ما كملت نعمته كلمت عقوبته، ولغير المحصن الجلد؛ لأنه لما قصرت نعمته قصرت عقوبته، وتلك عدالة تامة.

وفي حد السرقة عدالة؛ لأن المال هو بمثابة اليد العاملة في حياتنا، وبه قوام الحياة والقدرة على النهوض بأعبائها فأخذه ظلما هو اجتثاث لهذه اليد وتلك القدرة، فكان جزاؤه من جنس العمل، وهو قطع يده، واجتثاث قدرته، وبخاصة أن السرقة قد تمت غالبا بواسطتها.

وحد الحرابة فيه عدالة؛ لأن تنوع عقوبة المحاربة يوحي بأن لكل جناية ما يقابلها من العقاب حتى إن قلنا: إن الأمر بيد الإمام أو نائبه، فالواجب أن تشتد العقوبة وتضعف تبعًا لخطورة الجناية وعدم خطورتها.

وأما عدالة التطبيق، فيكفي أن نشير هنا إلى ما روي عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: إن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم قالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حِب رسول -صلى الله عليه وسلم- فكلمه أسامة، فقال

<<  <   >  >>