الأول: أن الدية التي يجب دفعها إلى ولي الدم -على التفصيل الذي ذكرناه فيما تقدم- هي مقدار من المال حدده المشرع الحكيم على أساس موضوعي، لا يتفاوت بين إنسان وآخر بالعوارض الصحية أو الجسمانية أو الاجتماعية من كثرة كسب أو قلته، وبعكس هذا جعل القانون أساس التعويض ذاتيا وليس موضوعيا، ويتفاوت التعويض عندهم من شخص إلى شخص آخر باعتبار الظروف التي تحيط بمن وقع عليه الضرر طبقا لحالته الشخصية والصحية والجسمانية، وكذا المالية باعتبار كثرة كسبه أو قلته.
وبهذا المعيار الذي قرره القانون يتأصل التفاوت بين الناس تفاوتا لا يمكن حصره ولا ضبطه مما يتيح فرصة للتباين بين تقدير وتقدير، وحكم وحكم، وشخص وشخص، باعتبارات لا حصر لها.
وهذا ما عالجه الفقه الإسلامي علاجا موضوعيا؛ إذ إنه قد نظر إلى النفس البشرية، لا بهذه الاعتبارات، بل باعتبار إنسانيتها، وكونها كائنا حيا وقع عليه اعتداء، أحس بهذا الاعتداء الفقير والغني بإحساس واحد، ووقع عليهما ألم واحد، وفقد كل منهما ما فقده الآخر، ومن هنا كان موجب الجناية واحدا، فإن الأمور والاعتبارات التي قررها شراح القانون تعتبر عرضا لا جوهرا، والعرض من خاصيته التغير والتبدل، فقد يكون صحيحا اليوم ومريضا غدا -لا بسبب- وقد يكون غنيا في هذه اللحظة وفقيرا في اللحظة التي تليها، وقد يكون خامل الذكر آنًا ثم يعلو شأنه بعد قليل.. فهذه صفة العرض.
أما النظر إلى الجوهر وإلى الموضوع فهو أعدل وأدق، وهذا ما توخته الشريعة الإسلامية.
وأما كون الدية على القاتل، أو على العاقلة -كما رجحنا١ آنفا- فإن
١ راجع المقصد الأول من المطلب الثاني من هذا الفصل.