للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما نود أن نشير إليه هو أن الفقه الإسلامي يجعل هذا الحق واجب الأداء إلى ولي الدم، أيا كان المتحمل لهذا المال، فإنه في حالة عجز المتحمل عن الأداء، فإن بيت المال هو الذي يقوم بسداد الدية إلى ولي الدم؛ لأن بيت المال هو الذي يرث من لا وارث له، فيجب أن يدي من لا يمكن أداء ديته؛ لأن الغنم بالغرم، وليس في الإسلام دم يهدر، إلا ما أهدره المشرع الحكيم لحكمة رآها ومصلحة قدرها، فإذا كان الشخص معصوما، واعتدي عليه، فإن دمه لا يضيع بأي سبب من الأسباب..

وهذا تقدير رفيع وسمو في التشريع لا يدانيه تقدير، ولا يلحقه تشريع، يوثق الروابط بين الفرد والمجتمع، بين الفرد ودولته، ويجعل حرص الفرد والجماعة على الدولة لا يدانيه إلا حرص الدولة على الفرد والجماعة؛ نظرا للتكافل التام بين الاثنين، وهذا بالإضافة إلى ربط الفرد بعاقلته رباطا يجعلها دائما تحرص على توجيه النصح والإرشاد لأفرادها، والتحذير والتأديب لمن يشذ من بينهم؛ نظرا لما يلحقهم جميعا من الغرامة، وسنبحث في فقرة مستقلة نظام العاقلة في الفقه الإسلامي في مبحث الجريمة خطأ.

أما التعويض المدني في القانون، فإنه منظور إليه على أنه حق شخصي يتعلق بذمة من يتسبب فيه، ومن شأن الحقوق الشخصية أنه إذا وجد له مال أمكن الوفاء بالتعويض، وإن لم يوجد له مال حتى موته ضاع حق صاحب الحق، وأصبحت أسرة المجني عليه في حالة يُرثى لها.

وهذا المسلك فضلا عن أنه يغري العاطلين وحثالة الناس على الإجرام -وهذا خطر كبير- فإنه يفتح مجالا للتهرب من مثل هذه الحقوق قبل وجوبها، في المرحلة التي تسبق الإعداد للجريمة، طالما أن ذلك يضيع حتى أصحاب الحق، مما يفتت الترابط والتعاطف بين الدولة والأفراد.

والثاني: أنه بجانب الدية أوجب الفقه الإسلامي عقوبتين أخريين:

<<  <   >  >>