للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن هذا يتبين لنا التفسير الواضح لما كان يحرص عليه الجناة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التقدم إليه طواعية طالبين توقيع عقوبة ما اقترفوه من ذنوب، ومصرين على توقيعها، بالإقرار عدة مرات كما حدث مع ماعز، وكما حدث مع الأسلمي حينما قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أقر بالزنا أيضا: "فما تريد مني بهذا القول؟ " قال: أريد أن تطهرني.

والربط بين توقيع العقوبة وتطهير النفس في الشريعة الإسلامية يجعل الإنسان دائما في حساب مع نفسه بعد ارتكاب جرمه. إنه إن ستر ذنبه ظل الحق معلقا به، ولا ينفع معه التخفي والتستر؛ لأنه سيأتي اليوم الذي يلقى حسابه فيه ممن لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وحسابه -جل شأنه- لا يقارن بتطبيق العقوبة في الدنيا، فلأن يلقى الله نقي الصحيفة متطهرا من ذنوبه خير له من أن يلقاه مدنسا إياها بالأعمال السيئة.

إذن فالعقوبة في ظل الشريعة الإسلامية مستوفاة إن عاجلا وإن آجلا، وإذا كانت على هذه المثابة فإنه لا تجدي محاولة الإنسان تبرئة نفسه من الجرائم بالاحتيال والتزوير والتمويه والتدبير؛ لأن المطلع والمحاسب الحقيقي لا تنفع أمامه كل هذه الأمور، فأولى به أن يترك الإجرام، وأن ينأى عن المعاصي، وساعتئذ يتحقق المعنى السامي الذي يهدف إليه التشريع؛ وهو القضاء على الجريمة، وبث الأمن والاستقرار في ربوع المجتمع.

سابعا: تدرج العقوبات بتدرج نوعية الجرائم:

لقد لاحظنا التدرج في العقوبة في الفقه الإسلامي بتدرج الجرم قوة وضعفا حسب تأثيره على مسيرة المجتمع، ومدى إخلاله بأمنه واستقراره وإعاقته لمعاني الخير.

<<  <   >  >>