للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالمسلك الذي سلكته الشريعة الإسلامية في العقوبات في المواءمة والتعايش والتوافق بين الرهبة والرحمة، بين الخوف والرجاء، بين رعاية المجتمع ورعاية الجاني، هو مسلك فريد يدفع الأفراد إلى الخشية والخوف من الوقوع في الجرائم، ويدفع الناس جميعا إلى الابتعاد عن ارتكاب هذه الجناية، ويحول أنظارهم إلى الاتجاه إلا ما أحل الله، وبذلك ينقي المجتمع من الأدران، وتصان الأسر والأعراض من الهوان.

سادسا: اقتران توقيع العقوبة بتطهير الذنب:

لقد تميز التشريع الإسلامي بنصه على أن استيفاء العقوبة جابر للذنب الذي ارتكب، مطهر للجاني مما ارتكبه مقرب له من ربه، ويؤيد هذا ما روي عن عبادة بن الصامت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال وحوله عصابة من أصحابه: "بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه"، فبايعناه على ذلك.

وفي لفظ: "فلا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" متفق عليه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "فعوقب به في الدنيا" أعم من أن تكون عقوبته حدا أو تعزيرا، وكذا إذا كان قصاصا -كما يرى بعض العلماء- لما روى الطبراني عن ابن مسعود أنه قال: "إذا جاء القتل محا كل شيء".

ولما رُوي عن عائشة مرفوعًا: "لا يمر القتل بذنب إلا محاه، فلولا القتل ما كفرت ذنوبه، وأي حق أعظم إليه من هذا؟ ولو كان حد القتل إنما شرع للردع فقط لم يشرع العفو عن القاتل".

<<  <   >  >>