للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الراجمون، فلما ذكروا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلا تركتموه"، وفي رواية: "هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه" ١.

وبهذا الحديث أخذ الحنفية، والشافعية، والحنابلة، والعترة، والإمام مالك في رواية عنه أنه يقبل من المقر الرجوع عن إقراره ويسقط الحد عنه، مع العلم أن حد الزنا يندر أن يثبت بغير الإقرار، ولم يحدث في تاريخ الأمة الإسلامية أن ثبت الحد بغير الاعتراف.

ومن هذا يتبين لنا أن تنفيذ عقوبة الزنا بالرجم فيها رحمة؛ لأنها تتيح للمتهم فرصة النجاة من الحد، إذا ما حدث رجوع عن شهادة، أو عدول عن إقرار أثناء تنفيذ الحد، وهذا ما لا يمكن حدوثه إذا كان التنفيذ بالسيف.

وقبول توبة الجاني قبل القدرة عليه رحمة.

ودر الحدود بالشبهات رحمة.

إذن فالرحمة بالجاني في ظل تطبيق الحدود الشرعية متعددة الجوانب.

وأيضا فإن في تطبيق هذه العقوبات على الجناة رحمة بالناس جميعا؛ لأنها تنفي عن المجتمع كل خبث، وتقتل الأفكار السيئة التي تعشعش في رءوس قلة جانحة من هذه الأمة لتنمو على إثرها الأفكار الطيبة وتترعرع، وتزهو زهور التقدم والتطور.

وصدق القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ٢.


١ رواه أحمد وابن ماجه والترمذي قال: حديث حسن.
٢ الآية ١٠٧ من سورة الأنبياء.

<<  <   >  >>