بل وفي جعل عقوبة الزنا للمحصن الرجم -لا القتل بالسيف- رحمة؛ لأن الرجم لا يصاحبه الموت فور حدوثه، وخاصة إذا لاحظنا أنه لا يكون بأحجار كبيرة.
والتنفيذ بهذا المسلك يفتح بابا واسعا لتدارك ما قد يكون من خطأ، أو كذب، وقع فيه الشهود، أو ظروف أدت إلى الإقرار، وليكون وسيلة لسبر غور نفس الشاهد، أو المقر، فعساه قد رضي الشهادة زورا، أو أقدم على الاعتراف تحت ظروف جعلته ييئس من الحياة، فشهد الشاهد أو أقر المقر بما يوجب عقوبة الزنا.
فسلك المشرع الحكيم مسلكا رائعا في الكشف عن النوايا؛ حيث أوجب أن يبدأ بالرجم الشهود وعددهم أربعة، ويشترط في كل منهم عدة شروط، سواء من حيث العدالة أو رؤية الحادثة أو ظروف الجناية، مما يتعذر حدوثه إلا في مجتمع بهيمي لا أخلاقي؛ ساعتئذ لا بد من انكشاف الحقيقة ولو من واحد منهم عند رؤية إنسان يهاجمه الموت دون وجه حق، فلو نطق بما يدرأ الحد كان تدارك النفس ممكنا، وهذا ما لا يتأتى مع تنفيذ الحد بالسيف، كما أوجب المشرع أن يبدأ القاضي أو من ينوب عنه برجم المعترف لنفس المعنى، خوفا من قصور في التحقيق، أو تهاون في تقصي الظروف المحيطة بما يثبت صحة الاعتراف، فلا تطيق نفس الحاكم الإقدام على التنفيذ إلا حيث وصلت إلى درجة التيقن باستيفاء كل سبل الإدانة، حتى يكون كل من الشاهد والقاضي مسئولا عن قتله إذا ثبت تواطؤ أو كذب أو تقصير متعمد، ومع هذا فلو ولي المحكوم عليه وهرب أثناء الرجم اعتبر ذلك رجوعا في الإقرار الصادر منه، وحينئذ لا يوالي عليه الرجم، وترفع عنه هذه العقوبة.
فقد جاء فيما رواه أبو هريرة بشأن رجم ماعز الذي أقر بالزنا أربع مرات -أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم- أنه أثناء رجمه هرب، فتعقبه