للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما هاجر الحارث مسلما لقيه عياش فقتله ولم يشعر بإسلامه، فلما أخبر "بإسلامه" أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إنه قد كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت، ولم أشعر بإسلامه حتى قتلته، فنزلت الآية.

معنى الآية: ما ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، فقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} ليس على النفي، وإنما هو على التحريم والنهي، ولو كانت للنفي لما وجد مؤمن قتل مؤمنا قط، فإن ما نفاه الله لا يجوز وجوده؛ كقوله تعالى: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} فلا يقدر العباد أن ينبتوا شجرها أبدا.

وقال قتادة: المعنى ما كان له ذلك بوجه، ثم استثنى استثناء منقطعا ليس من الأول، وهو الذي يكون فيه "إلا" بمعنى "لكن"، التقدير: ما كان له أن يقتله البتة، لكن إن قتله خطأ فعليه كذا، هذا قول سيبويه والزجاج رحمهما الله. وقيل: هواستثناء متصل؛ أي: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ولا يقتص منه إلا أن يكون خطأ فلا يقتص منه؛ ولكن فيه كذا وكذا "وفي الآية وجوه أخرى فنكتفي منها بذلك".

معنى الخطأ: الخطأ اسم من أخطا خطأ وإخطاء إذا لم يصنع عن تعمد، فالخطأ الاسم يقوم مقام الإخطاء، يقال لمن أراد شيئا ففعل غيره: أخطأ، ولمن فعل غير الصواب: أخطأ١.

ونقصد بالخطأ هنا: كل ما يصدر عن الإنسان بإرادته، فيؤدي إلى إلإضرار بإنسان أو بغيره ممن لم يرد وقوع الفعل به.

فالمخطئ أراد الفعل وقصده؛ ولكنه لم يرد وقوعه بالصفة التي وقع بها؛ نظرا لخطأ في الفعل أو في القصد أو فيهما، أو بعبارة أخرى: نظرا لحدوث ظروف أدت إلى خلل في القصد أو في التوجيه أو فيهما.


١ قال أبو عبيد: خطئ وأخطأ بمعنى، ومصدر خطئ خطأ، ومصدر أخطأ إخطاء، والخطأ والإخطاء هو ما لم يصنع عن تعمد.

<<  <   >  >>