للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما روي عن أبي هريرة أنه قال: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة، عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها، وما روي عن ابن عباس في قصة حمل ابن مالك قال: فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا، وماتت المرأة، فقضى على العاقلة بالدية"١.

ولا شك أن إيجاب الدية هنا على العاقلة جاء على خلاف قياس الأصول في الغرامات وضمان المتلفات؛ حيث يقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ٢، وقال أيضا: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ٣، وإنما وجب هنا على العاقلة لا لأن وزر القاتل عليهم، ولا تغليظا وتشديدا عليهم، ولكنه من قبيل المواساة المحضة لإنسان أخطأ، ولم يقصد جناية٤.


١ راجع نيل الأوطار ج٧، ص٦٩.
٢ سورة المدثر الآية رقم ٣٨.
٣ سورة الأنعام الآية رقم ١٦٤.
٤ وأجمع أهل العلم على أن ما زاد على ثلث الدية على العاقلة واختلفوا في الثلث إلى رأيين؛ الأول: يرى جمهور العلماء "الحنفية والمالكية والحنابلة والزيدية والإمامية" أن العاقلة لا تحمل عمدا ولا صلحا ولا اعترافا، ولا تحمل من دية الخطأ إلا ما جاوز الثلث، وما وجب من الدية وكان دون الثلث فهو في مال الجاني. والثاني: يرى أن عقل الخطأ على عاقلة الجاني، قلت الجناية أو كثرت؛ لأن من غرم الأكثر غرم الأقل، كما أن فعل العمد في مال الجاني قل أو كثر "وهذا قول الشافعي".
وأجمع أهل السير والعلم أن الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة فأقرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الإسلام، وكانوا يتعاقلون بالنصرة، ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك حتى جعل عمر الديوان، واتفق على رواية ذلك والقول به.
وأجمعوا على أنه لم يكن في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا زمن أبي بكر ديوان، وأن عمر جعل الديوان وجمع بين الناس أو جعل أهل كل ناحية يدا واحدة، وجعل عليهم قتال من يليهم من عدوهم.

<<  <   >  >>