أخيه" "ولا يجني عليك ولا تجني عليه" فإنه لا ينفي وجوب الدية عن العاقلة على هذا النحو الذي ذكرناه من معنى الآية من غير أن يلام على فعل الغير، أو يطالب بذنب سواه.
وقد أضاف الكاساني وجها لطيفا في الجمع بين النصوص فقال: وأما قوله تعالى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فنقول بموجبها، لكن لم قلتم: إن الحمل على العاقلة أخذ بغير ذنب؟ فإن حفظ القاتل واجب على عاقلته، فإذا لم يحفظوا فقد فرطوا، والتفريط منهم ذنب، ولأن القاتل إنما يقتل بظهر عشيرته، فكانوا كالمشاركين له في القتل١.
وأيضا فإن وجوب الدية على العاقلة له وجوه سائغة مستحسنة في العقل:
أحدهما: أنه جائز أن يتعبد الله تعالى بإيجاب المال عليهم لهذا الرجل من غير قتل كان منه، كما أوجب الصدقات في مال الأغنياء للفقراء.
والثاني: أن وضع الدية على العاقلة إنما هو على النصرة والمعونة؛ ولذلك أوجبها الحنفية على أهل ديوان القاتل دون أقربائه؛ لأنهم أهل نصرته، ألا يرى أنهم يتناصرون على القتال والحماية والذود عن الحريم، فلما كانوا متناصرين في القتال والحماية أمروا بالتناصر والتعاون على تحمل الدية؛ ليتساووا في حملها كما تساووا في حماية بعضهم بعضا.
الثالث: أن في إيجاب الدية على العاقلة زوال الضغينة والعداوة من بعضهم لبعض إذا كانت قبل ذلك، وهو داعٍ إلى الألفة وزوال ذات البين، ألا ترى أن رجلين ولو كانت بينهما عداوة فتحمل أحدهما عن صاحبه ما قد لحقه لأدى ذلك إلى زوال العداوة وإلى الألفة.