وقد أجيب عن هذه الآثار بأن المراد أن العاقلة لا تعقل الجناية الواقعة من العبد على غيره، كما يدل على ذلك قول ابن عباس الذي ذكرناه في الفقرة السابقة:"لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا لا اعترافا ولا ما جنى المملوك".
ثانيا: روي عن عكرمة عن ابن عباس أن مكاتبا قتل "بالبناء للمجهول" على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمر عليه السلام أن يودى ما أدى دية الحر، وما لا دية المملوك، والمعنى أن المكاتب إن كان قد أدى نصف ما عليه من مال الكتابة مثلا، وبقي عليه النصف، فإن النصف تدفع ديته دية الحر والنصف الآخر تدفع ديته دية المملوك.
وقد روي عن يحيى بن كثير أنه قال: إن علي بن أبي طالب ومروان كانا يقولان في المكاتب: إنه يؤدي منه دية الحر بقدر ما أدى، وما رق منه دية العبد.
فقد سمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يؤدى في قتل العبد دية، وسماه دية أيضا علي بن أبي طالب، وهو حجة في اللغة، وإذا سمي دية، فالدية في قتل النفس خطأ على العاقلة، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ج- اعتراف الجاني بالجناية:
إذا اعترف الجني بارتكابه الجناية، فإن أقر على نفسه بارتكابها، فإما أن تكون الجناية عمدا، أو شبه عمد، أو خطأ. فإن كانت عمدا أخذ بها وعوقب بعقوبتها: من قصاص أو دية أو غيرهما كما سبق توضيحه. وإن كانت شبه عمد فقد سبق أن أوضحنا خلاف الفقهاء في وجوب الدية في شبه العمد على العاقلة. وإن كانت الجناية خطأ وأقر بها الجاني ولم تثبت بالبينة ولم تصدقه العاقلة فهل تتحمل العاقلة الدية؟