للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اختلف الفقهاء في وجوب الدية على العاقلة إذا أقر الجاني بالجناية إلى أربعة أقوال:

الرأي الأول: يرى جمهور الفقهاء "الحنفية والمالكية على المعتمد، والشافعية، والحنابلة، والزيدية، والإمامية، وهو قول ابن عباس والشعبي والحسن، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وسليمان من موسى، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق" أنه تجب الدية على الجاني المقر بالجناية في ماله ولا تحمل العاقلة معه شيئا.

الدليل: وقد استدلوا بالحديث المروي عن ابن عباس -الذي ذكرناه آنفا- ولأنه لو وجب عليهم دفع الدية لوجب بإقرار غيرهم عليهم، ولا يقبل إقرار شخص على غيره.

ولأن الجاني يتهم في هذا الإقرار، وموضع التهمة أنه قد يواطئ من يقر له بالجناية؛ ليأخذ الدية من عاقلته، فيقاسمه إياها١.

الرأي الثاني: قال أبو ثور، وابن عبد الحكيم: لا يلزم المقر شيء، ولا يصح إقراره؛ لأنه مقر على غيره، لا على نفسه؛ لأنه لما لم يثبت موجب إقراره -وهو تحمل العاقلة الدية- كان إقراره باطلا، كما لو أقر على غيره.

الرأي الثالث: يرى الظاهرية أن الاعتراف بالقتل الخطأ لا يلزم العاقلة تحمل الدية؛ وذلك لأن الله تعالى يقول: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، وكذلك لأن المقر بقتل الخطأ ليس مقرا على نفسه؛ لأن الدية فيما أقر به على العاقلة، لا عليه، وإذا كان غير مقر على نفسه، فيجب ألا يصدق على العاقلة، إلا أنه كان عدلا حلف أولياء


١ الشرح الكبير لابن قدامة المقدسي ج٩، ص٥٠٥، وفتح القدير ج٨ ص٥٢٣، والشرح الكبير للدسوقي ج٤، ص٢٥٠، والمختصر النافع ص٣٢٧.

<<  <   >  >>