للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الرابعة: ما تؤدى به الكفارة:

قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ... } فقد نصت الآية على أن الكفارة هي تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.

إلا أنه يبقى بعد هذا أن نتساءل عن الحكم فيما إذا لم يستطع تحرير رقبة مؤمنة، ولم يستطع صيام شهرين متتابعين؟

اختلف الفقهاء في الحكم في هذه الحالة إلى رأيين:

الرأي الأول: يرى الحنفية والمالكية، والأظهر في مذهب الشافعية، ورواية في مذهب الحنابلة، والزيدية والإمامية: أنه يثبت الصيام في ذمته، ولا يجب الإطعام كما يجب في كفارة الظهار؛ لأن الله تعالى لم يذكره، ولو وجب لذكره، ولأنه من المقادير، والمقادير لا تعرف إلا سماعا، ولأن المذكور كل الواجب؛ لوقوع الفاء في الجواب، أو لكونه كل المذكور.

الرأي الثاني: روي عن الإمام أحمد "رواية أخرى" والشافعية "في الظاهر": أنه يطعم ستين مسكينا ككفارة الظهار والفطر في رمضان، وهذا التقدير وإن لم يكن في هذه الآية التي بينت عقوبة القتل خطأ فقد ذكر ذلك في نظيره، وهوكفارتا الظهار والفطر في رمضان، فيقاس هذا عليهما.

وعلى هذا الرأي إن عجز عن الإطعام أيضا ثبت الإطعام في ذمته حتى يقدر عليه١.

الترجيح: ونرجح الأخذ بالرأي الثاني أخذا بالقياس على كفارتي الظهار والفطر في رمضان؛ لأن في الأخذ به تحقيق المعنى المقصود من شرعية الكفارة، فحيث يتعذر الإعتاق، ويتعذر الصيام، لأي سبب كان من الأسباب المعتد بها شرعا، فحينئذ إما أن تسقط هذه العقوبة، وفي هذا بعد عما قصده المشرع الحكيم من تطبيقها، وإما أن نقيسها على الكفارات الأخرى، وقد نص فيها على أنه إن لم يتمكن فإطعام ستين مسكينا، وحينئذ تنفيذ عليه العقوبة بصورة اعتد بها المشرع الحكيم في جبر جرم آخر ارتكب، خاصة وأن القول بذلك يؤدي إلى إمكان أن يتحمل غير المسلم الكفارة، على الرأي الذي رجحناه فيما تقدم؛ حيث إنه قد لا يتيسر له إعتاق رقبة مؤمنة، ولا يتأتى منه الصيام، فيمكن حينئذ أن نوجب عليه الإطعام كعقوبة مالية، حتى تصبح العقوبة واحدة بالنسبة للجميع.. ويكون من الممكن أداؤها.


١ الزيلعي ج٦، ص١١٨، والشرح الكبير للدسوقي ج٤، ص٢٥٤، ومغني المحتاج ج٤، ص١٠٨، والشرح الكبير لابن قدامة ج١٠، ص٤١.

<<  <   >  >>