للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا، ومن هنا يمكن أن نقول: إنه إذا قتل إنسان نفسه تجب في ماله الكفارة.

إلا أن المعاني التي شرعت من أجلها الكفارة، إن كانت عبادة وتقربا، فلا بد من وجود الشخص؛ لأنه لا عبادة بدون النية، وإن كانت زجرا وتنبيها إلى التحرز عن الوقوع في الخطأ، فإن كان هذا بالنسبة للشخص نفسه، لقد فات المحل الذي يمكن أن يستجيب لذلك، وإن كان هذا بالنسبة للغير، فإن المحل موجود، ويمكن أن يتحقق بالنسبة له هذا الغرض، فيعلم الإنسان القاتل لنفسه أن عليه حين يرتكب هذه الجناية خطأ كفارة تؤخذ من ماله كما تؤخذ بقية الحقوق.

ولعل النظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "الآدمي بنيان الرب، ملعون من هدم بنيانه" يجعلنا ننظر إلى نفس الإنسان المعتدَى عليه، على أنه غير، سواءكان المعتدى عليه هو نفس هذا الإنسان المعتدي أم غير نفسه، ويؤيد هذا أنه معاقب على اقتراف هذا الجرم في الآخرة على كلا الحالين، بل بعقوبة أشد في الحالة الأولى كما سبق أن أوضحنا١.

ومن هنا نرى ترجيح الرأي الثاني، خاصة وأن حق الأرقاء في الحرية حق يتشوف الشرع إلى تحقيقه، وهو حق للغير، يلزم الوفاء به كسائر الحقوق، وكذلك حق المحتاجين في الإطعام.

وبعد، فهذا ما وفقنا الله تعالى إلى إخراجه من هذا المؤلَّف، وإننا لنحمده ونشكره على ما وهب، ونسأله جل شأنه أن يعيننا على إخراج الجزء الثاني منه في وقت قريب ... إنه نعم المولى ونعم النصير،

د. حسن علي الشاذلي


١ راجع ما أوضحناه في هذا ص٤٨.

<<  <   >  >>