وربيعة والثوري" أن جنايته هدر؛ وذلك لأن عامر بن الأكوع بارز مرحبا يوم خيبر فرجع سيفه على نفسه، فمات ولم يبلغنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى فيه بدية، ولا غيرها، ولو وجبت لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأنه جنى على نفسه فلم يضمنه غيره كالعمد، ولأن وجوب الدية على العاقلة إنما كان مواساة للجاني وتخفيفا عنه، وليس على الجاني هاهنا شيء يحتاج إليه الإعانة والمواساة فيه، فلا وجه لإيجابه، ويفارق هذا ما إذا كانت الجناية على غيره، فإنه لو لم تحمل العاقلة موجب الجناية خطأ على الغير لأجحف به وجوب الدية لكثرتها.
وأما الكفارة، فيرى الحنفية والمالكية ووجه عند الشافعية: أنه لا يجب هنا في النفس كفارة، كما لا يجب ضمانها بالمال.
ويرى الشافعية والحنابلة: أن من قتل نفسه خطأ وجبت الكفارة في ماله؛ لعموم قوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا} الآية، ولأنه آدمي مؤمن مقتول خطأ فوجبت الكفارة على قاتله، كما لو قتله غيره.
الترجيح: رجح ابن قدامة المقدسي "الحنبلي" الرأي الأول قائلا: "إنه الأقرب إلى الصواب إن شاء الله، فإن عامر بن الأكوع قتل نفسه خطأ، ولم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بكفارة، وقوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} إنما أريد بها إذا قتل غيره، بدليل قوله:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} وقاتل نفسه لا تجب فيه دية بدليل قتل عامر بن الأكوع.
ولكن ما ذكره من الأثر يمكن الرد عليه، بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قضى في الجنين بغرة، ولم يقض بالكفارة، وقد سبق أن قيل: إن الغرة ثابتة بالحديث، والكفارة ثابتة بالقرآن، وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي وضحت الديات لم تذكر الكفارة اعتمادا على