الثاني: القتل بسبب؛ وهو أن يقصده بالفعل الذي يؤدي إلى الهلاك بواسطة، والسبب ينقسم إلى ثلاثة أضرب:
الأول: سبب شرعي: كما لو شهد بقصاص، فقتل المشهود عليه، ثم رجعا وقالا: تعمدنا الكذب، لزمهما القصاص؛ لأنهما تسببا في إهلاكه بما يقتل غالبا، فأشبه ذلك الإكراه الحسي١.
الثاني: سبب عرفي: كتقديم طعام مسموم لمن يأكله، وكما لو ترك المجروح علاج جرح مهلك له، فمات وجب القصاص جزاما على الجارح؛ لأن البرء غير موثوق به لو عولج، والجراحة في نفسها مهلكة، أما ما لا يهلك، كأن فصده فلم يعصب العرق حتى مات، فإنه لا ضمان؛ لأنه هو الذي قتل نفسه، وكذا لو ألقاه في ماء يعد مغرقا وكان لا يمكنه التخلص منه، ولو أمسكه فقتله آخر، أو حفر بئرا فراده فيها آخر، أو ألقاه من شاهق، فتلقاه آخر فقده، فالقصاص على القاتل في الصورة الأولى لحديث:"إذا أمسك الرجل الرجل حتى جاء آخر فقتله، قتل القاتل وحبس الممسك" رواه الدارقطني، وأيضا القصاص على المردي في الثانية تقديما للمباشرة؛ لأن الحفر شرط ولا أثر له مع المباشرة، وعلى القاد القصاص في الصورة الثالثة؛ لأن فعله قطع أثر السبب.
الثالث: السبب الحسي: كما لو أكرهه على قتل شخص بغير حق فقتله، فعلى المكره -بكسر الراء- القصاص؛ لأنه أهلكه بما يقصد به الإهلاك غالبا، فأشبه ما لو رماه بسهم فقتله، وكذا يجب القصاص على المكره -بفتح الراء- في الأظهر؛ لأنه قتله عمدا عدوانا لاستبقاء نفسه، فأشبه ما لو قتله المضطر ليأكله بل أولى؛ لأن المضطر على يقين من التلف إن لم يأكل،