أن تكون جناية الأول تفضي إلى الموت لا محالة، إلا أنه لا يخرج بها من حكم الحياة، وتبقى معه الحياة المستقرة بعض الوقت مثل: خرق المعي، أو أم الدماغ، ثم جاء الثاني فضرب عنقه، فالقاتل هو الثاني؛ لأنه فوت حياة مستقرة وقتل من هو في حكم الحياة، بدليل أن عمر -رضي الله عنه- لما جرح دخل عليه الطبيب فسقاه لبنا فخرج يصلد، فعلم الطبيب أنه ميت، فقال: اعهد إلى الناس، فعهد إليهم، وأوصى، وجعل الخلافة إلى أهل الشورى، فقبل الصحابة عهده، وأجمعوا على قبول وصاياه وعهده، فلما كان حكم الحياة باقيا بعد الجناية الأولى، كان الثاني مفوتا لها، فكان الثاني هو القاتل، كما لو قتل عليلا لا يرجى برء علته.
الحالة الرابعة:
ألا يصل المجني عليه إلى حال اليأس من حياته بعد الجناية الأولى، ثم يدخل سبب ينهي حياته؛ أي: أنه قد اجتمع سببان للقتل؛ أولهما: لم يفض إلى النتيجة بسبب تدخل الثاني، وذلك كما إذا ألقى رجلا من شاهق، فتلقاه آخر بسيف فقتله، فالقصاص على من قتله؛ لأنه فوت حياته قبل المصير إلى حال ييئس فيها من حياته، فأشبه ما لو رماه إنسان بسهم قاتل فقطع آخر عنقه قبل وقوع السهم به، أو ألقى عليه صخرة فأطار آخر رأسه بالسيف قبل وقوعها عليه، ثم يذكر ابن قدامة أن هذا قول الشافعي: إن رماه من مكان يجوز أن يسلم منه، وإن رماه من شاهق لا يسلم منه الواقع ففيه وجهان:
أحدهما -كقول الحنابلة المتقدم- أي: أن القصاص على من قتله.