للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجناية قد تمت بما يقتل غالبا، أما إن تمت بما لا يقتل إلا نادرًا، فإنه لا بد من توافر قصد القتل في هذه الحالة.

وهم في هذا يجعلون من الآلة أو الفعل الذي يقتل غالبا دليلا ظاهرا على قصد القتل لا حاجة معه إلى البحث عن قصد القتل، إما إذا كانت الجناية قد تمت بما يقتل نادرا، فإن الدليل الظاهر وهو هذه الآلة لا تثبت ولا تنبئ ولا تدل على قصد القتل؛ لأن مثلها لا يقتل إلا نادرًا، فهي تستعمل عادة في التأديب والتهذيب واللعب، فالقرينة الظاهرة تدل على عدم قصد القتل، فلا يعدل عن هذا الظاهر إلى الباطن إلا إذا ثبت أنه قد قصد القتل بهذه الآلة، فإن ثبت ذلك كان القتل عمدا موجبا للقصاص، وإلا كانت الجريمة شبه عمد عند الإمامية خطأ عند الزيدية.

وبهذا يتبين لنا أن جمهور الفقهاء لا يشترطون قصد القتل مع وجود الفعل أو الآلة الدالة على أنه قصد القتل بها، وفي تعليل ذلك يقول الحنفية:

"إن القصد أمر باطني؛ لأنه من عمل القلب، وإذا كان أمرًا باطنا فيعسر التعرف عليه والوصول إلى حقيقته؛ ولذا أقيم الفعل الذي يقتل غالبا مقام قصد القتل تيسيرًا، كما أقيم السفر مقام المشقة في إباحة الفطر في رمضان، وكما أقيم البلوغ مقام اعتدال العقل في مخاطبة الصبي بفروع الشريعة تيسيرا"، فكذلك يقام الفعل الذي يقتل غالبا مقام قصد القتل.

وبذلك يكون استعمال ما يقتل غالبا دليلا ظاهرًا على توافر نية القتل وقصده لا حاجة معه إلى التعرف على الإرادة الباطنة والقصد الخفي.. وإلا لأدى هذا إلى إسقاط هذه العقوبة، وتفشي القتل بين الناس بمثل هذه الأفعال مع ادعاء عدم قصد القتل ومحاولة إثباته.

<<  <   >  >>