ولقد أجمع الفقهاء على أن القتل الذي يتم بالنوع الأول يعتبر قتلا عمدا موجبا للقصاص؛ لأن استعمال السلاح وما جرى مجراه في تفريق الأجزاء أمارة ظاهرة ودليل واضح على قصد القتل وقرينة قاطعة على إرادة هذه النتيجة لا تحتمل الشك، وتكون العقوبة في هذه الحالة موافقة للجناية صورة ومعنى.
كما أن جمهور الفقهاء "غير الإمام أبي حنيفة" اعتبروا القتل بما يقتل غالبا مما ليس بسلاح ولا ما جرى مجراه؛ كالحجر الكبير والعصا الكبيرة والتغريق والخنق.. وأمثال ذلك قتلا عمدا موجبا للقصاص.
أما الإمام أبو حنيفة، فإنه يرى أن القتل بمثل ذلك يكون شبه عمد، وقد ذكرنا آنفا وجه قوله١.
أما القتل بما لا يقتل غالبا كالعصا الصغيرة والحجر الصغير مما لا يقتل إلا نادرا، فإن جمهور الفقهاء جعلوا القتل بمثل ذلك "شبه عمد" وليس قتلا عمدا؛ لأن معنى العمد يتقاصر باستعمال ما يقتل غالبا؛ لأنه يقصد باستعمالها أمر آخر غير القتل كالتأديب ونحوه؛ لذلك كانت الجناية شبه عمد، إلا أنه إذا اقترن باستعمال ذلك ما يدل دلالة واضحة على قصد القتل؛ كتكرار الضرب بعصا صغيرة، أو وضعها في مقتل كأذن أو عين، أو كان الشخص لا يحتمل مثله الضرب بمثل ذلك لضعف بسبب صغر أو مرض أو حر شديد أو برد مفرط، إلى غير ذلك من الأسباب، فإنه يكون حينئذ قتلا عمدا موجبا للقصاص، كما صرح بذلك الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية.
أما المالكية والظاهرية، فإنهم يرون أن القتل بمثل ذلك يعتبر قتلا عمدا موجبا للقصاص إذا توافرت الشروط الأخرى للقتل العمد عندهم.