للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأرى رجحان رأي الجمهور؛ لأن كلا من المباشر والمتسبب أدى فعله إلى إزهاق روح المجني عليه، فهما متساويان في النتيجة، وكون القتل بسبب حدث بفعل من الجاني أدى إلى ذلك بواسطة، لا يؤثر في أن الفعل هو الذي نسب إليه القتل؛ لأن الواسطة إذا كانت لا تصلح لإضافة الحكم إليها كانت لغوا -كما سنوضح ذلك بعد قليل- وأيضا فإننا لو قلنا بالفرق بين المباشرة والتسبب؛ لأدى هذا إلى انتشار الجرائم بهذه الكيفية التي تعفي الجاني من القصاص؛ وحيئنذ ينتشر التفاني بين الناس، وهذا يتنافى مع الحكمة التي شرع من أجلها القصاص التي نصت عليها الآية الكريمة: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

ارتباط السبب بالنتيجة:

ولقد قرر هؤلاء الفقهاء أنه يشترط لكي يكون القتل بسبب عمدا موجبا للقصاص ألا يفصل بين الفعل الذي أدى إلى النتيجة -وهي القتل- سبب آخر يصح إضافة النتيجة إليه، فإذا وجد مثل هذا السبب كان الثاني مباشرا للقتل، وانقطعت بذلك الرابطة بين السبب والنتيجة، حتى لو كان القاطع لهذه الرابطة المجني عليه نفسه، كما لو تراخى في إنقاذ نفسه، أو أهمل، وكان يمكنه ذلك، ولقد أوضحنا فيما تقدم بالتفصيل المسائل التي طبق فيها الفقهاء هذه القاعدة، ونبرز منها ما يلي:

اشتراط المالكية لكي يكون القتل بسبب عمدا شروطا ثلاثة، كان ثالثها١: "وأن يهلك ذلك الشخص المعين بسبب ذلك" أي: أن يهلك الشخص المعين بسبب ذلك الفعل لا بسبب آخر؛ أي: ألا يكون هناك سبب آخر تترتب عليه النتيجة، وهو الموت، فلو أغرى به كلبا، فعقره، فإن


١ راجع ص٩٥.

<<  <   >  >>