للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعبيرُ المصنف بـ «الكبرى» هنا إشارةٌ إلى القيامة الصُّغرى؛ فإنَّ القيامةَ قيامتان: قيامةٌ صُغرى، وهي الموتُ. وقيامةٌ كبرى، وهي التي يقومُ فيها النَّاسُ مِنْ قُبُورهم لربِّ العالمين.

قال القرطبيُّ -رحمه الله-: «قال علماؤنا: واعلم أنَّ كُلَّ مَيِّتٍ مات فقد قامت قيامتُه، ولكنها قيامةٌ صُغرى وكُبرى.

فالصُّغرى: هي ما يقومُ على كل إنسانٍ في خَاصَّتِه من خروج رُوحه، وفِراق أهله، وانقطاع سَعْيه، وحُصوله على عمله؛ إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًّا فَشَرٌّ.

والقيامة الكبرى: هي التي تَعُمُّ النَّاسَ، وتأخذهم أخذةً واحدةً.

والدَّليلُ على أنَّ كُلَّ مَيِّتٍ يموتُ فقد قامت قيامتُه: قول النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لقومٍ من الأعرابِ وقد سألوه: مَتى القِيامةُ؟ فنظر إلى أحدث إنسانٍ منهم، فقال: «إِنْ يَعِشْ هذا لَم يُدركه الهَرَمُ قَامَت عليكم سَاعَتُكم» (١)» (٢).

ثم قال -رحمه الله-: «فَتُعادُ الأرواحُ إلى الأجسادِ»، وذلك بعد النفخة الثانية بالصُّور، وهذه الإعادةُ غيرُ الإعادة التي كانت في البرزخ.

قال ابنُ أبي العِزِّ -رحمه الله-: «الإيمانُ بالمَعاد مِمَّا دَلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّة والعَقل والفِطرة السَّليمة.

فأخبرَ اللهُ- سبحانه- في كتابه العزيز، وأَقَامَ الدَّليل عليه، ورَدَّ على مُنكريه في غالب سُور القرآن، وذلك أنَّ الأنبياء- عليهم السَّلام- كلهم مُتَّفِقون على الإيمانِ بالله، فإنَّ الإقرارَ بالربِّ عامٌّ في بني آدم، وهو فِطري، وكُلُّهم يُقِرُّ بالربِّ إلا مَنْ عانَدَ؛ كفِرعون، بخلاف الإيمان


(١) أخرجه مسلم (٢٩٥٢) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
(٢) «التذكرة» (ص ١٨٧، ١٨٨).

<<  <   >  >>