باليوم الآخر فإنَّ مُنكريه كثيرون، ومحمَّد -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا كان خاتم الأنبياء، وكان قد بُعِثَ هو والسَّاعة كهاتين، وكان هو الحاشر والمُقَفِّي بَيَّن تفصيل الآخرة بيانًا لا يُوجد في شيء من كتب الأنبياء، ولهذا ظَنَّ طائفةٌ مِنْ المُتفلسفة ونحوهم أنَّه لم يُفصح بمعاد الأبدان إلا مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم-، وجَعلوا هذه حُجَّة لهم في أنَّه من باب التخييل والخِطاب الجُمهوري.
والقرآنُ بَيَّن مَعاد النَّفس عند الموت، ومَعادَ البدن عند القيامة الكبرى في غير مَوضع، وهؤلاء يُنكرون القيامة الكبرى، ويُنكرون معاد الأبدان، ويقول مَنْ يقول منهم: إنَّه لم يُخبر به إلا محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- عن طريق التخييل.
وهذا كذبٌ؛ فإنَّ القِيامة الكبرى هي معروفةٌ عند الأنبياء من آدم إلى نُوح إلى إبراهيم ومُوسى وعِيسى وغيرهم عليهم السلام، وقد أخبر اللهُ بها من حين أهبط آدم؛ فقال تَعَالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٢٤) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: ٢٤ - ٢٥]، ولمَّا قال إبليس اللعين: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [الحجر: ٣٦ - ٣٨].
وأمَّا نوحٌ -عليه السلام- فقال: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: ١٧ - ١٨]، وقال إبراهيم -عليه السلام-: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء: ٨٢]، إلى آخر القصة وقال:{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم: ٤١]، وقال:{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى}[البقرة: ٢٦٠]، وأمَّا موسى -عليه السلام- فقال الله لَمَّا ناجاه: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه: ١٥ - ١٦].