للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم تَزل هذه الأفكار تنتقل مِنْ قائل إلى قائل حتى وصلت إلى عصرنا الحاضر، وإن كانت تَحمل أسماء متعددة لكن تبقى هي بعينها؛ فترى وتسمع من يكفر المجتمعات المسلمة، ويقول: إنها مجتمعات جاهلية وكافرة، ويُرَتِّب على ذلك تكفير الحاكم والحكومات، بل وتكفير مَنْ يتبع الدولة مِنْ موظفين عَسكريين ومَدنيين، بل وكَفَّروا العلماء، حتى وصل الأمر بهم إلى تكفير عامَّة الناس، واستحلوا دماءهم وأعراضهم.

فأطلقوا تكفيرهم في المجتمعات المسلمة، واستعملوا ضدهم السلاح.

وهذا ليس من قول أهل السنة في شيء، وإنما هو ميراث أولئك الروافض والخوارج والمعتزلة.

وأمَّا أهل السنة فإن شيخ الإسلام- مثلًا- قال في هذه العقيدة: «وهُمْ مَعَ ذلك لا يُكَفِّرُونَ أهل القِبْلَةِ بمطلق المعاصي والكَبَائِر».

وقوله: «أهل القبلة» يَشمل الأمة بمجموعها، وإن كان فيها مَنْ هو على فكر مُخالف؛ لذلك لما سئل علي -رضي الله عنه- عن الخوارج: «أمشركون هم؟ قال: مِنْ الشرك فَرُّوا. فقالوا: أفمنافقون؟ قال: إنَّ المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا- أي: هؤلاء يذكرون الله كثيرًا- قيل: فما هم يا أمير ألمؤمنين؟ قال: إخواننا بَغَوْا علينا؛ فقاتلناهم ببغيهم علينا!» (١).

وذكر الحسن أنه قال عنهم: «قوم أصابتهم فتنة؛ فعَموا فيها وصَمُّوا» (٢).


(١) «البداية والنهاية» (٧/ ٣٠٠).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٠/ ١٥٠) برقم (١٨٦٥٦).

<<  <   >  >>