للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرشد مكانه العقل، ولذلك قال الله -سبحانه وتعالى- في شأن اليتامى: {فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم}؛ فلا يدفع المال إلى اليتيم إلا إذا بلغ رشده، وليس ببلوغه سن التكليف، فإذا أحسن التصرف في ماله فعند ذلك يُدفع إليه، وأما إذا لم يحسن ذلك فلا يدفع إليه هذا المال حتى يرشد.

فالرشد مكانه العقل، والهدى مكانه الإرادة أو القلب بمفهومه الخاص؛ لأن القلب في الحقيقة هو الباطن، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة في القلب. والعقل يُراد به العلم، ويراد به العمل؛ فالعلم والعمل الاختياري أصله الإرادة، وأصل الإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريدًا إلا بعد تصور المراد؛ فلا بد أن يكون القلب متصورًا، فيكون منه هذا وهذا، ويبتدئ ذلك من الدماغ، وآثاره صاعدة إلى الدماغ؛ فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء» (١).

وإن كان في بعض النصوص قد يُطلق القلب ويراد به أحد الجانبين، كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ألا وإنَّ في الجسد مُضغة إذا صَلَحت صَلَح الجسد كله، وإذا فَسَدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (٢).

وقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم ألهمني رُشدي، وأَعِذني من شَرِّ نفسي» (٣)؛ فدعا هنا بكمال الأمرين: بكمال الإرادة والعمل،


(١) «مجموع الفتاوى» (٩/ ٣٠٤).
(٢) أخرجه البخاري (٥٢) ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير ?.
(٣) أخرجه أحمد (٣٣/ ١٩٧) برقم (١٩٩٩٢)، والترمذي (٣٤٨٣) واللفظ له من حديث عمران بن حصين ?، وإسناده عند أحمد صحيح على شرط مسلم، كما قال محققو «المسند».

<<  <   >  >>