ولو تأملنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أصدق الأسماء: حارثٌ وهَمَّام»(١).
فهذان الاسمان أصدق وسمٍ على الإنسان؛ لأنه في إرادة دائمة وكسب دائم؛ إمَّا إلى خير وإما إلى شر، وفي همٍّ وتفكير دائم؛ إمَّا إلى خير وإما إلى شَرٍّ؛ فهذان الاسمان أصدق وصف للإنسان.
والوحي قد جاء يخاطبك أيها الإنسان من داخلك، وهذه العقيدة جاءت لتعنى بك من داخلك، وداخلك هما هذان الأمران، ولذلك تأمل قول الله -سبحانه وتعالى- حيث قال: {إنه إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة: ٤٠ - ٤٢]، لماذا ذكر الشعراء؟ ولماذا ذكر الكُهَّان هنا؟ وما وجه هذا الذكر في باب الثناء على الوحي؟
والجواب: لتعلم أن هذا الوحي جاء يخاطبك أيها الإنسان، وليس هذا الوحي مجرد قول شاعر يتلاعب بمشاعر الإنسان وإرادته، ويحاول في بعض الأحيان أن يقلب الحق باطلًا والباطل حقًّا، فقد يُزَيِّن الزنا باسم الحب والغرام وغير ذلك، وهذا ما يفعله كثير من الشعراء، وكذلك قال:{ولا بقول كاهن}؛ لأن الكاهن يتلاعب بالحقائق العلمية.
فإذًا نزه الله هذا الوحي عن أن يكون من هذا أو من ذاك.
وتأمل كذلك هذا النص في سورة الشعراء:{هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم}؛ فذكر الكهان، ثم قال:{والشعراء يتبعهم الغاوون}؛ فذكر الصنفين، وأعاد
(١) أخرجه أبو داود (٤٩٥٠) و أحمد في «المسند» (١٩٠٣٢ (، والبخاري في «الأدب المفرد» (٨١٤ (من حديث أبي وهب الجشمي ?، وصححه الألباني في «الصحيحة» (١٠٤٠).