للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروي عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلًا على سَرِيَّةٍ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته، فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «سَلُوهُ لأي شيءٍ يصنع ذلك؟». فسألوه، فقال: لأنَّها صِفَةُ الرَّحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أخبروه أنَّ اللهَ يُحِبُّه» (١).

فلما أحبَّ هذا الرجل المبارك هذه السورة المباركة؛ لأنها تشتمل على صفة الرحمن وتفرده بالوحدانية في الأسماء والصفات والأفعال- كان الجزاء أن أحَبَّه الله تعالى، وتلك الغاية العظمى والأمنية التي ليس بعدها أُمنية.

وقد بَيَّن العلامةُ ابن القيم رحمه الله بعضَ ما اشتملت عليه هذه السورة العظيمة؛ فقال: «سورةُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: متضمنَّةٌ لتوحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباتُه للرب تعالى من الأَحَدِيَّةِ المنافية لمطلق المشاركة بوجه من الوجوه، والصَّمِدِيَّة المثبتة له جميع صفات الكمال التي لا يلحقها نقص بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد الذي هو من لوازم الصَّمَدِيَّة، وغِنَاهُ وأَحَدِيَّتَهُ، ونفي الكفءِ المتضمِّن لنفي التشبيه والتَّمْثِيل والتَّنْظِير.

فتضمَّنت هذه السورةُ إثباتَ كلِّ كمالٍ له، ونفي كل نقص عنه، ونفي إثبات شبيه أو مثيل له في كماله، ونفي مطلقِ الشَّريك عنه، وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلمي الاعتقادي الذي يباين صاحبُه جميعَ فِرَقِ الضَّلَالِ والشِّرْكِ؛ ولذلك كانت تعدلُ ثُلُثَ القرآنِ» (٢).


(١) متفق عليه: أخرجه البخاري (٧٣٧٥) ومسلم (٨١٣).
(٢) «زاد المعاد» (١/ ٣١٦).

<<  <   >  >>