للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، ونحو ذلك، فلا يجوز أن يُطلق على الله تعالى (مخادع، ماكر، ناس، مُستهزئ)، ونحو ذلك مما تَعالى الله عنه، ولا يُقال: الله يَستهزئ ويُخادع ويَمكر ويَنسى على سبيل الإطلاق؛ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا» (١).

وقال ابنُ القَيِّم رحمه الله: «إنَّ الله تعالى لم يَصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقًا، ولا ذلك داخل في أسمائه الحسنى، ومَن ظَنَّ مِنْ الجُهَّال المُصَنِّفين في شرح الأسماء الحسنى أنَّ مِنْ أسمائه تعالى (الماكر، المخادع، المستهزئ، الكائد) - فقد فَاهَ بأمرٍ عَظيم تَقشعر منه الجلود، وتَكاد الأسماع تصم عند سماعه، وغرَّ هذا الجاهل أنه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه هذه الأفعال؛ فاشتق له منها أسماء، وأسماؤه تعالى كلها حسنى؛ فأدخلها في الأسماء الحسنى وقرنها بـ (الرَّحيم، الودود، الحكيم، الكريم)، وهذا جهل عظيم؛ فإنَّ هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقًا، بل تُمدح في موضع وتذم في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله تعالى مطلقًا، فلا يقال: إنه تعالى يمكر ويخادع ويستهزئ ويكيد، فكذلك بطريق الأَوْلَى لا يُشتق له منها أسماء ويُكفى بها، بل إذا كان لم يأت في أسمائه الحسنى (المريد والمتكلم ولا الفاعل ولا الصانع)؛ لأن مُسَمَّياتها تَنقسم إلى ممدوح ومذموم، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كـ (الحليم والحكيم والعزيز والفَعَّال لما يُريد)، فكيف يكون منها (الماكر والمخادع والمستهزئ).


(١) «معارج القبول» (١/ ٧٦).

<<  <   >  >>