هذه هي الأمانة، وهذه مكانتها في كل الشرائع السماوية والتي أكد عليها الإسلام ونادى بها رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم.
أما المراد بالأمانة؛ فكل ما يؤتمن عليه الإنسان من مال أو عرض أو أسرار، وكذلك من الأمانة كل ما تحت يده من مسئولية من أهل وولد، ودينه الذي أودعه الله إياه وهداه إليه أمانة عنده، ونفسه التي بين جنبيه أمانة عنده؛ فهو لا يتصرف فيها وفق مراده وهواه، بل عليه أن يحافظ عليها، فلا يملك الإنسان أن يميت نفسه أو أن يقتل نفسه فحياته ملك لله وهب الحق له النفس والحياة ويستردهما منه - سبحانه وتعالى - متى شاء وكيف شاء.
إن الذين يظنون أن الأمانة خاصة بحفظ الأموال، ثم ردها إلى أصحابها قاصرون في نظرتهم، وتفسيرهم هذا تفسير خاطئ يأباه الإسلام، ولا يقبله بحال من الأحوال؛ إنّ علماء الإسلام الأفذاذ فهموا ذلك من قوله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(الأحزاب: ٧٢) فقالوا: إن المراد بالأمانة في الآية الكريمة التكاليف الشرعية بكل تفاصيلها من عقيدة وعمل.
وها هي أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاهدة بأن ذلك الفهم فهم صحيح إذ نرى النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين لنا أن كل إنسان عنده أمانة، وسيسأل عنها يوم القيامة؛ سواء كان أمير قوم أم كان إنسانًا عادي ًّ امغمورًا يعيش في هذه الحياة، فأمير القوم شعبه وبلده أمانة في عنقه يسأله الله تعالى عن كل فرد منهم يوم القيامة؛ فهم أمانة عنده، وهو أمين على بلده لا يحق له أن يفرط في حبة رمل أو ذرة من ترابها، والرجل في بيته أولاده وزوجته، وكل من يقوم بإعالته أمانة، وسيسأل عنها يوم القيامة، وكذلك الولد في مال أبيه، والزوجة في بيت زوجها، والخادم في مال سيده قال -صلى الله عليه وسلم-