في الدنيا وسوء المنقلب في الآخرة؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع في استعاذته بين الحالين معًا؛ إذ قال:((اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة)) الحديث رواه أبو داود، فالجوع ضياع الدنيا، والخيانة ضياع الدين.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته الأولى قبل البعثة يلقب بين قومه بالأمين، وكذلك شوهدت مخايل الأمانة على موسى حين سقى لابنتي الرجل الصالح ورفق بهما واحترم أنوثتهما، وكان معهما عفيفًا شريفًا، في نهاية القصة قالت ابنة شعيب {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}(القصص: ٢٦)، وقد حدث هذا قبل أن ينبأ موسى وأن يرسل إلى فرعون، ولا غرو فرسل الله يختارون من أشرف الناس طباعًا وأذكاهم معادن، والنفس التي تظل معتصمة بالفضائل على شدة الفقر ووحشة الغربة هي لرجل قوي أمين، والمحافظة على حقوق الله وحقوق العباد تتطلب خلقًا لا يتغير باختلاف الأيام بين نعم ة وبؤس، وذلك جوهر الأمانة.
من معاني الأمانة؛ وضع كل شيء في المكان الجدير به واللائق له؛ فلا يسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به، ولا تملأ وظيفة إلا بالرجل الذي ترفعه كفايته إليها، واعتبار الولايات والأعمال العامة أمانات مسئولة ثابت من وجوه كثيرة؛ فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال:((يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنما أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)) رواه مسلم.
إن الكفاية العلمية أو العملية ليست لازمة لصلاح النفس؛ قد يكون الرجل رضي السريرة حسن الإيمان، ولكنه لا يحمل من المؤهلات المنشودة ما يجعله منتجًا في وظيفة معينة؛ ألا ترى إلى يوسف الصديق إنه لم يرشح نفسه لإدارة