رواية عنها: ما كان من خلق أبغض إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذب فلا يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث فيها توبة.
ولا غرو فلقد كان السلف الصالح يتلاقون على الفضائل ويتعارفون بها؛ فإذا أساء أحد السيرة وحاول أن ينفرد بمسلك خاطئ بدأ بعمله هذا كالأجرب بين الأصحاء؛ فلا يطيب له مقام بينهم حتى يبرأ من علته، وكانت المعالم الأولى للجماعة المسلمة صدق الحديث ودقة الأداء وضبط الكلام، أما الكذب والإخلاف والتدليس والافتراء فهي أمارات النفاق، وانقطاع الصلة بالدين، أو هي اتصال بالدين على أسلوب المدلسين والمفترين، على أسلوب الكذابين في مخالفة الواقع، والكذب رذيلة محضة تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها، وعن سلوك ينشئ الشر إنشاءً، ويندفع إلى الإثم من غير ضرورة مزعجة أو طبيعة قاهرة.
هناك رذائل يلتاس بها الإنسان تشبه الأمراض التي تعرض للبدن، ولا يصح منها إلا بعد علاج طويل؛ كالخوف الذي يتلعثم به الهيابون، أو الحرص الذي تنقبض به الأيدي؛ إن بعض الناس إذا جند للجهاد المفروض تقدم إليه وجلده مقشعر، وإن بعضهم إذا استخرجت منه الزكاة الواجبة أخذ يعدها وأصابعه ترعش، وهذه الطباع التي تتأثر بالجبن أو بالبخل غير الطبائع التي تقبل على الموت في نزق، وتبعثر المال بغير حساب.
وقد تكون هناك أعذار لمن يشعرون بوساوس الحرص أو الخوف عندما يقفون في ميادين التضحية والفداء، ولكنه لا عذر البتة لمن يتخذون الكذب خلقًا ويعيشون به على خديعة الناس؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب)) وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيكون المؤمن جبانًا؟ قال:((نعم))