يمزح حاسبًا أن مجال اللهو لا حظر فيه على إخبار أو اختلاق، ولكن الإسلام الذي أباح الترويح عن القلوب لم يرض وسيلة لذلك إلا في حدود الصدق المحض؛ فإن في الحلال مندوحة عن الحرام، وفي الحق غناء عن الباطل؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب، ويل له، ويل له)) وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا زعيم -أي ضامن- أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا)) رواه البيهقي.
وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء، وإن كان صادقًا)) الحديث رواه الإمام أحمد.
والمشاهد أن الناس يطلقون العنان لأخيلتهم في تلفيق الأضاحيك، ولا يحسون حرجًا في إدارة أحاديث مفتراة على ألسنة خصومهم أو أصدقائهم؛ ليتندروا بها أو يسخروا منهم، وقد حرم الدين هذا المسلك تحريمًا تام ًّ ا؛ إذ الحق أن اللهو بالكذب كثيرًا ما ينتهي إلى أحزان وعد اوات، وتمد الناس مدرجة إلى كذب، والمسلم يجب أن يحاذر عندما يثني على غيره؛ فلا يذكر إلا ما يعلم من خير، ولا يجنح إلى المبالغة في تضخيم المحامد وطي المثالب، ومهما كان الممدوح جديرًا بالثناء فإن المبالغة في إطرائه ضرب من الكذب المحرم، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمادحيه:((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)) يعني لا تبالغوا في مدحي، ((فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)).
وهناك فريق من الناس يتخذ المدائح الفارغة بضاعة يتملك بها الأكابر، ويصوغ من الشعر القصائد المطولة، ومن النثر الخطب فيكيل الثناء جزافًا، ويهرف بما لا ي ُ عرف، وربما وصف بالعدالة الحكام الجائرين، ووصف بالشجاعة الأغبياء الخوارين؛ ابتغاء عرض من الدنيا عند هؤلاء وأولئك.