وسرد الصفات الفاضلة على هذا الترتيب يدلك على ما لصدق الوعد من مكانة، ولقد كان إسماعيل - عليه السلام - أصدق الناس وعدًا حين قال لأبيه: ستجدني إن شاء الله من الصابرين، لما قال له أبوه: إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى.
وقد يندفع الإنسان إلى الكذب حين يعتذر عن خطأ وقع منه ويحاول التملص من عواقبه، وهذا غباء وهوان، وهو فرار من الشر إلى مثله أو أشد، والواجب أن يعترف الإنسان بغلطه؛ فلعل صدق هـ في ذكر الواقع وألمه لما بدر منه يمسحان هفوته ويغفران ذلته، ومهما هجس في النفس من مخاوف إذا قيل الحق فالأجدر بالمسلم أن يتشجع وأن يتحرج من لوثات الكذب؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تحروا الصدق وإن رأيتم أن الهلكة فيه فإن فيه النجاة)) وقال: ((إذا كذب العبد تباعد الملك عنه ميلًا من نتن ما جاء به)) رواه الترمذي.
والصدق في الأقوال يتأدى بصاحبه إلى الصدق في الأعمال والصلاح في الأحوال؛ فإن حرص الإنسان على التزام الحق فيما ينبث به يجعل ضياء الحق يسطع على قلبه وعلى فكره فيما ينبس به؛ ولذلك يقول الحق - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(الأحزاب: ٧٠، ٧١).
والعمل الصادق هو العمل الذي لا ريبة فيه؛ لأنه وليد اليقين، ولا هوى معه؛ لأنه قرين الإخلاص، ولا عوج عليه؛ لأنه نبع من الحق، ونجاح الأمم في أداء رسالتها يعود إلى جملة ما يقدمه بنوها من أعمال صادقة؛ فإن كانت ثروتها من