للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكتب في الجبارين فيصيبه ما يصيب الجبارين)) أي لا يزال يذهب بنفسه مستكبرًا منتفخًا متعاليًا على خلق الله متعاظمًا بنفسه حتى يرى أنه فوق الناس في خصائصه الفكرية، أو في خصائصه الجسدية، أو في أعراقه وأمجاده، أو في أتباعه وأولاده، أو في أمواله وأجناده، أو في مكانته في قومه، ويظل يتعالى بنفسه حتى يطغى ويكون جبارًا من الجبارين وعندئذ يقسمه الله -سبحانه وتعالى.

إن هذا الحديث يصور حالة تدرج المستكبر في سلم الاستكبار والانتفاخ حتى يكون جبارًا من الجبارين، وأنه في أول حاله قد لا يكون كذلك، وهذا ما يشاهد في بعض الناس حينما يملكون بعض القوى المادية التي تمكنهم من بسط سلطانهم في الأرض أنهم يبدءون بداية صغرى، ثم يترقون في درجات الكبر درجة بعد درجة حتى يبلغوا الدرجة القصوى، والسبب في ذلك تزايد عامل الغرور بالنفس حينما تساعدهم الظروف على التسلط، وينفخ في رءوسهم المتملقون والمنافقون والمداحون.

وروى البخاري ومسلم عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر)) العتل هو الجافي شديد الخصومة بالباطل، والجواظ هو الجموع المنوع، أو هو المختال المتكبر، أو هو الفاجر.

وروى مسلم بسنده في (صحيحه) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب إليم؛ شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر)) وقد مضى الحديث سابقًا، ونذكر تعليق الشيخ عبد الرحمن حبنكة عليه فنقول: قال: أي فقير مستكبر لماذا؟ قال: وذلك لأن الفقير من شأنه أن يخفض الجناح، ولا يستكبر مع فقره إلا من ازداد لديه خلق الكبر زيادة جعلته منطمس البصيرة عن إدراك واقعه الذي

<<  <   >  >>