ومصباحٍ كأنَّ النورَ فيه ... محيَّا من أحِبُّ وقد تجلَّى فبدر صاحبه، وقال على الفور مجيزاً له:
أشار إلى الدُّجى بلسانِ أفعى ... فشمر ذيله جَزَعاً وولَّى فنهض البني وقال: تكون اليكّي؟! فتبسم اليكّي وقال: تكون البنّي؟ فتعانقا وتعارفا، فسمع بهما تجار الخان فعرفوهما، فلم يُصْبِحا إلاّ على حالةِ رفاهيةٍ من المال والقماش مما جَمَعَ لهما التجار، وسمع بهما والي المدينة، فأوسعَ لهما وأحسن إليهما، وأقاما مدّة مجتمعين ثم افترقا على أحسن حال.
١٢٠٦ - قال مسرور: قام الرشيد هارون يوماً من فراشه إلى صلاة الغداة فصلّى وخرج إلى موضع جلوسه، فرأى في بعض دهاليز القصر قنديلاً مسرجاً من الليل لم يُطْفأ إلى أن طلعت عليه الشمس، فأمر بإحضار الفرّاشين وضربهم في ذلك الموضع، فعجبت وقلت: ما عسى أن يكون قد ضاع من البزر في بقاه هذا القنديل مسرجاً إلى هذا الوقت؟! ثم أخذ مجلسه، ورفعت إليه الأشغال، فرفع إليه مٌشْرِف مطبخِهِ ورقة فيها: إن الطّباخ طلب منه عطراً لتطييب القدور بمبلغٍ كبير، وناولنيها فأشفقتُ من أمرها لما وقفت عليه في صَدْرِ يومي من نظره في القنديل، ودافعتُ المشرف، وأمير المؤمنين يلحظني ولا أشعر، ولم يكن لي بدٌّ من رفعها، فرفعتها إليه، فوقَّع فيها دون أن ينظرها، فعجبت من تفاوت حاليه، فلمّا قام من موضعه وأنا خلفه التفت إليّ وأمسك بأذني وقال: قد رأيت ما فعلته بالفراش في هذا الموضع فأنكرته، وقلت في نفسك: ما عسى أن يكون ضاع من البزر في هذا القنديل؟! ثم حضرت ورقة المشرف فاستكثرتها، ولم يكن ما فعلتُهُ بخلاً بما ضاع في القنديل والبزر، وإنما كان تأديباً للخدّام في أن لا يغفلوا بما يجب عليهم من الخدمة فيما دقّ وجلّ، بحيث لا يتعطّل شغل من الأشغال.
١٢٠٧ - قال رجاء بن حيوة: كنت مع عمر بن عبد العزيز فَضَعُفَ السراج، فقال: يا رجاء أما ترى؟ فقلت: أقومُ فأُصْلِحُه، فقال: إنه للؤمٌ بالرجل أن يستخدم ضيفه، وقام وأخذ البطّة فزاد في دُهْنِ السراج ثم رجع وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.