للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالعلم في عدة فنون (١) ؛ وشهد له أبو حاتم السجستاني نزيل البصرة - من بعد فقال: ((كان أوثق من بالكوفة في الشعر)) (٢) وهذه شهادة بتفوق بسبي، وخاصة حين كان البصريون يقارنون بين المفضل وأفادوا من علمه، وقيدوا بعض رواياته وآرائه، واعترفوا بمدى الخلف بين روايتهم وروايته: فقد كانوا مثلاً يعتقدون أن القصيدة الحائية التي يوصف فيها السحاب والمطر ((دان مسف فويق الأرض هيدبه..)) إنما هي لعبيد، على ذلك كانوا مجمعين فلما قدم عليهم المفضل صرفها إلى أوس بن حجر (٣) ؛ وتذاكروا معه شعر الأسود بن يعفر فأخبرهم أن للأسود ثلاثين ومائة قصيدة، وهم لا يعرفون له ذلك ولا قريباً منه (٤) ، فحملوا ذلك - رغم تقديرهم له - على تجوز الكوفيين في قبول ما يحترز البصريون من قبوله.

لمثل هذه الأخبار وغيرها يمكن أن نقف على مبالغة واضحة في قول من قال: ((لم يأخذ أحد من علماء البصريين عن الكوفيين إلا أبا زيد (٥)) ) - يعني أبا زيد الأنصاري سعيد بن أوس (٢١٤) ، بل إن الشواهد تدل على أن علماء آخرين أخذوا عن المفضل، وإن كان أبو زيد نفسه أكثرهم أخذاً عنه - إما في المرحلة البصرية وإما في المرحلة البغدادية اللاحقة - وكان أكثر ما أخذه عنه هو الشعر، إذ قرأ عليه دواوين كثيرة (٦) ؛ وقد صرح أبو زيد في كتاب النوادر بأن ما كان في هذا الكتاب من شعر القصيد فهو سماعه من المفضل (٧) بل افتتح كتابه بقوله:


(١) انباه الرواة ٣: ٣٠٤.
(٢) مراتب النحويين: ٧١.
(٣) طبقات فحول الشعراء: ٩٢.
(٤) المصدر السابق: ١٤٨.
(٥) انباه الرواة ٢: ٣٤.
(٦) تهذيب الأزهري ١: ١٢ ومراتب النحويين ١: ٧١، وانظر عد أبي زيد من تلامذته في ياقوت ١٩: ١٦٤ وميزان الاعتدال ٤: ١٧٠ وغاية النهاية ٢: ٣٠٧.
(٧) النوادر: ١؛ وفي الصفحة التالية جاء ما ينقض هذا وهو أن أبا زيد قال: ما كان فيه من رجز فهو سماعي من المفضل، وما كان فيه من قصيد ولغات فهو سماعي من العرب. ولدى الفحص عن ذلك في تضاعف الكتاب نفسه تبين أن الشعر هو الذي يروى عن المفضل، فإذا لم يرو عنه صرخ أبو زيد بقوله: ولم أسمعه من المفضل (انظر مثلاً ص: ١٧٥) .

<<  <   >  >>