للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخذت مجالس البصرة تشهد المناظرات والمحاورات بين المفضل وعلماء تلك المدينة، من ذك أن سليمان بن علي الهاشمي جمع بين المفضل والأصمعي، وأنشد المفضل في ما أنشد قول أوس بن حجر ((تصمت بالماء تولباً جذعاً)) - فرواه بالذال المعجمة - والجذع هو الفتي الصغير السن من الإبل وغيرها؛ ففطن الأصمعي لخطأه وقال له: أخطأت إنما هو ((تولباً جدعاً)) (١) بالدال المهملة - والجدع السيئ الغذاء، فقال المفضل: ((جذعاً جذعاً)) ورفع صوته، فقال الأصمعي: لو نفخت في الشبور ما نفعك، تكلم كلام النمل وأصب. فلما تمسك كل منهما برأيه وحفظه احتكما إلى غلام حافظ للشعر من بني أسد فصوب رأي الأصمعي (٢) ؛ ومع أن قراءة المفضل ذات حظ غير يسير الصواب، فإن العلماء أخذوا بقول الأصمعي الذي أخذت عليه أيضاً تصحيفات كثيرة، مثله في ذلك كثير من العلماء والرواة، إذ لم يكن المفضل بدعاً في هذا الصدد، وله تصحيفات سنأتي على ذكرها من بعد.

وكان المفضل ما يزال في البصرة حين قام محمد النفس الزكية بثورته في المدينة وأرسل أخاه إبراهيم إلى البصرة يدعو الناس لمشايعته. ويبدو أن ثورة النفس الزكية وأخيه إبراهيم قد استطاعت أن تجذب إليها كثيراً من الفقهاء والمحدثين وأهل العلم، وأن اشتراك المفضل فيها تم فعلاً: إذ تصرح الروايات المتعاطفة مع تلك الثورة أن المفضل كان زيدياً (٣) ، وأنه مثل كثير من الزيدية رأى الانخراط في صفوف الثورة، وأنه كان من أشدهم تحمساً لها، وأنه كان موضع ثقة إبراهيم، إذ لجأ هذا إلى دار المفضل مستتراً من عيون العباسيين، وكان إذا عقد


(١) يصف امرأة فقيرة وأنها تسكت ابنها السيء الغذاء بالماء.
(٢) تروي القصة في صور مختلفة، وإن كانت متقاربة، انظر انباه الرواة ٣: ٣٠٢ - ٣٠٣ والتصحيف للعسكري: ١٣٤ والتنبيه: ٧١ (ونسب التصحيف لجعفر بن سليمان) ومجالس العلماء: ١٤ - ١٥ وتهذيب الأزهري ١: ١٠ - ١١ ونزهة الالباء: ٣٦ والمزهر: ٣٦٣ واللسان (جدع) والخصائص ٣: ٣٠٦ والحيوان ٤: ٢٥ - ٢٦.
(٣) مقاتل الطالبيين: ٣٣٨.

<<  <   >  >>