للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الناس حالاً، ثم ذكر أخاه فقال: كيف ينفعني العيش وأنا انظر إلى قاتل أخي فلان، فعمد إلى فأس فأحدّها ثم قعد لها فمرت به فتبعها فضربها فأخطأها ودخلت الجحر ووقع الفأس بالجبل فوق جحرها فأثر فيه، فلما رأت ما فعل قطعت عنه الدينار الذي كانت تعطيه، فلما رأى ذلك وتخوف شرها ندم، فقال لها: هل لك في: ان نتواثق ونعود إلى ما كنا عليه، فقالت: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك وانت فاجر لا تبالي العهد. فكان حديث. الحية والفأس مثلاً مشهوراً من أمثال العرب. قال نابغة بن ذبيان (١) :

ليهنأ لكم إن قد نفيتم بيوتنا ... (٢) مكان عبدان المحلى باقره

فلو شهدت سهم وأفناء مالك ... (٣) فتعذرني من مرة المتناصرة

لجاءوا بجمع لم ير الناس مثله ... (٤) تضاءل منه بالعشي قصائره

وإني لألقى من ذوي الضغن منهم ... وما اصبحت تشكو من الشجر ساهرة

كما لقيت ذات الصفا من حليفها ... (٥) وكانت تديه المال غباً وظاهره

تذكر أنى يجعل الله جنةً ... فيصبح ذا مال ويقتل واتره

فلما توفى العقل إلا اقله ... (٦) وجارت به نفس عن الخير جائره

فلما رأى إن ثمر الله ماله ... وأثل موجوداً وسد مفاقره

أكب على فأس يحد غرابها ... مذكرةٍ بين المعادل باتره

فقام لها من فوق حجر مشيد ... ليقتلها أو يخطىء الكف بادره


(١) الديوان: ١٥٣ وما بعدها.
(٢) الديوان: مندى عبيدان؛ وعبيدان: عبد كان لرجل من عاد، كان يورد إبله أول الناس ثم غلب عليه رجل أقوى منه؛ والمحلئ الذي يمنع ورود الماء، والباقر: جماعة البقر.
(٣) سهم ومالك ابنا مرة بن عوف من ذبيان؛ وبنو مرة كانوا تحالفوا وتناصروا ضد قوم النابغة.
(٤) يقول: من كثرة هذا الجيش تخشع قصائره وتصغر، وقصائره: أرض أو جبل.
(٥) ذات الصفا هي الحية التي تتحدث عنها العرب؛ وهنا ربط بين صدر بيت وعجز آخر.
(٦) العقل: الدية.

<<  <   >  >>