للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي أيام المهدي ظل المفضل مقرباً ممن تلميذه بالأمس، فهو يدخل على المهدي فيستنشده الشعر؛ دخل عليه ذات مرة وعنده عبد الله بن مالك الخزاعي، فقال المهدي: أنشدني أربعة أبيات عليهن قبل أن تجلس، فأنشده (١) :

وأشعث قد قدّ السفار قميصه ... يجر شواء بالعصا غير منضج (٢)

دعوت إلى ما نابني فأجابني ... كريم من الفتيان غير مزلج (٣)

فتى يملأ الشيزي ويروي سنانه ... ويضرب رأس الكمي المدجج (٤)

فتى ليس بالراضي بأدنى معيشةٍ ... ولا في بيوت القوم بالمتولج فقال المهدي: هذا، وأشار إلى عبد الله بن مالك (٥) . وقد نال من المهدي أيضاً توثيقاً عاماً، وقصة ذلك أن عدداً من العلماء كانوا مجتمعين في دار المهدي بعيساباذ فخرج الحاجب إليهم واستدعى المفضل من بينهم للمثول بين يدي الخليفة فغاب عنهم بعض الوقت ثم خرج في صحبة الحاجب، ومعهما حماد الراوية، وعلى قسمات المفضل إمارات السرور والنشاط، وفي وجه حماد إنكسار وغم، ثم خرج حسين الخادم فقال: يا معشر من حضر من أهل العلم، إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حماداً الشاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره، وأبطل روايته لزيادته في أشعار الناس ما ليس منها، (وكان المهدي قد استحلفه بالإيمان المغلظة عن أبيات نسبها إلى زهير بن أبي سلمى فأقرّ بأنه وضعها) ووصل المفضل بخمسين ألفاً لصدقه وصحة روايته، فمن أراد أن يسمع شعراً جيداً محدثاً


(١) الشعر للشماخ، ديوانه: ٨٠.
(٢) تعقب البكري رواية ((يجر شواء)) وقال إن رواية الجماعة: ((وجر شواءٍ)) ، انظر السمط: ٥٩٠ والتنبيه على أوهام أبي علي: ٨٢.
(٣) المزلج: الذي لم يتم حزمه.
(٤) الشيزي: الجفان.
(٥) نور القبس: ٢٧٢ - ٢٧٣ وأمالي القالي ١: ٢٦٢.

<<  <   >  >>